(إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ) (الفتح/ 8-9).
تمهيد:إنّ الإسلام العظيم دعا في كثير من تعاليمه إلى حسن الأدب والتعامل، مع الله تعالى ومع أنبيائه (عليهم السلام) – لا سيّما خاتمهم النبيّ محمد (ص) – ومع الناس بشكل عام.
وكلّما ازداد مقام الإنسان وارتفعت درجته عند الله تعالى كلّما ازدادت الآداب ودرجة الاحترام تجاهه.
ولا شكّ أنّ مقام رسول الله (ص) عظيم وجليل، وخدماته العظيمة للإنسانية جمعاء قد اعترف بها كثير من منصفي العالم الغربي، ولا ينكر عظمة النبيّ (ص) إلّا كلّ جاهل أو مريض قلب يعرف الحقّ وينكره.
وقد دأب الناس على احترام قياداتهم والتأدّب معهم مزيد تأدُّب، لما أدّوه من خدمات وجهد في سبيل مجتمعاتهم.
ونحن ذاكرون بعض الآداب مع الرسول الأعظم (ص) قائدنا ومقتدانا الذي له كلّ الأدب والاحترام والتبجيل.
أدب المحبّة:وذلك بمحبّته (ص) أكثر من كلّ متعلّقاتنا وحتى أكثر من أنفسنا، قال تعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (التوبة/ 24).
وعن رسول الله: "لا يؤمن عبد حتى أكون أحبّ إليه من نفسه، ويكون عترتي أحبّ إليه من عترته، ويكون أهلي أحبّ إليه من أهله، ويكون ذاتي أحبّ إليه من ذاته"[1].
وهذا الحديث يشير إلى ضرورة حبّ أهل البيت (عليهم السلام). فمن يحبّ رسول الله (ص) يلزم عليه أن يحبّ أهل بيته (عليهم السلام) وإلّا لا يكون محبّاً للرسول (ص).
أدب الاتّباع:وذلك بتحقيق تعاليم رسول الله عمليّاً فلا يكفي ادّعاء الحبّ القلبي، لأنّ حقيقة الحبّ يعني العمل بتعاليم من تحبّ.
قال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (آل عمران/ 31).
روي عن رسول الله أنّه قال، حرصاً منه على اتّباع أمّته له واستقامتها: "شيّبتني سورة هود"[2].
ونقل عن ابن عباس في تفسير الحديث الشريف – آنف الذكر – أنّه ما نزل على رسول الله (ص) آية كانت أشدّ عليه ولا أشقّ من آية: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ) (هود/ 112).
كما نُقل عن بعض المفسّرين أنّ أحد العلماء رأى رسول الله (ص) في المنام فسأله عن سبب ما نُقل عنه من قوله: "شيّبتني سورة هود" أهو ما سلف من الأمم السابقة وهلاكها؟ فبيّن له (ص) أنّ سببه آية: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ) (هود/ 112)[3].
فرسول الله لا شكّ في استقامته ولكن ما كان يهمّه هو اتّباع أتباعه له واستقامتهم على طريقه.
فلنكن حريصين على قلب رسول الله وعدم أذيّته وذلك باتّباعه والاستقامة في طريق ذات الشوكة.
أدب الصلاة عليه:
وذلك بالصلاة عليه عند ذكره، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (الأحزاب/ 56).
ونلاحظ في الآية الكريمة أنّ الله تعالى ابتدأ بالصلاة على النبيّ (ص) ثمّ الملائكة وبعد ذلك أمر المؤمنين أن يُصلّوا عليه، وهذا ما يدل على أهمية هذا الأدب وإلى أي مستوى رفيع قد وصل، إلى حدّ أنّ الله تعالى بعظمته وعزّته وجلاله والملائكة بمقامهم قاموا بفعل هذا الأدب.
وعن رسول الله (ص) أنّ قوماً من أصحابه سألوه عند نزول هذه الآية عليه فقالوا: يا رسول الله، قد علمنا كيف نُسلّم عليك، فكيف نُصلّي عليك؟ فقال: "تقولون: اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد"[4].
فبيّن رسول الله (ص) أنّ الصلاة عليه التي افترض الله عزّ وجلّ عليهم أن يصلّوها عليه، ملازمة للصلاة على أهل بيته (عليهم السلام).
وعن رسول الله (ص): "لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء فقالوا وما الصلاة البتراء؟ قال تقولون: "اللّهمّ صلِّ على محمد وتمسكون بل قولوا اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد"[5].
عن الإمام أبي عبدالله (ع) قال: "سمع أبي رجلاً متعلّقاً بالبيت وهو يقول: اللهمّ صلِّ على محمّد، فقال له أبي: يا عبدالله لا تبترها لا تظلمنا حقّنا قل: اللهمّ صلِّ على محمّد وأهل بيته"[6].
وقد دعانا الإمام عليّ (ع) إلى الإكثار من الصلاة على النبي وآله: "نحمده بالحمد الذي ارتضاه من خلقه وأوجب قبوله على نفسه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، شهادتان ترفعان القول وتضاعفان العمل، خفّ ميزان ترفعان منه وثقل ميزان توضعان فيه وبهما الفوز بالجنّة والنجاة من النار والجواز على الصراط وبالشهادة تدخلون الجنّة وبالصلاة تناولون الرحمة، أكثروا من الصلاة على نبيّكم: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (الأحزاب/ 56)..."[7].
أدب الاحترام والدفاع:
وذلك باحترام الرسول وتوقيره والدفاع عنه، يقول سبحانه: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ) (سورة الفتح/ 8-9).
كلمة "تعزّروه" مشتقة من مادة عزر، وهو في الأصل يعني "المنع" ثمّ توسّعوا فيه فأطلق على كلّ دفاع ونصرة وإعانة للشخص في مقابل أعدائه.
وكلمة "توقّروه" مشتقّة من مادّة توقير، وجذورها "الوقر" ومعناها الثقل. فيكون معنى التوقير هنا التعظيم والتكريم والاحترام.
أدب عدم التقدّم على النبيّ (ص) وخفض الصوت:
وقد نهى الله تعالى عن أفعال فيها عدم احترام لرسول الله (ص)، فقال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (الحجرات/ 1-5).
ففي الآيات ذكر ثلاثة آداب:
أ- عدم التقدُّم على الله ورسوله: والمراد من عدم التقدُّم بين يدي الله ورسوله هو أن لا يُقترح عليهما في الأمور، وترك العجلة والإسراع أمام أمر الله ورسوله.
إنّ مسؤولية انضباط السائرين إزاء القادة وخاصّة إزاء القادة الإلهيين تقتضي ألّا يتقدّموا عليهم في أيّ عمل وقول ولا يعجل أحد عندهم.
ب-عدم رفع الصوت عند رسول الله (ص): فقد جعل الله سبحانه رفع الصوت عنده سبباً من أسباب حبط العمل، وينبغي العلم أنّ هذا الأدب يجب التأدُّب به في حياة النبيّ (ص) وبعد مماته ويكون هذا الأدب بعد مماته بألّا يرفع المرء صوته عند زيارة قبره الشريف مثلاً.
ت-عدم الجهر بالقول عند مخاطبته (ص): بل يخفض الصوت عند التكلم معه احتراماً له.
أدب المناداة:وقال تعالى تأكيداً على احترام رسول الله: (لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (النور/ 63).
فهذا يعني أنّه عندما تدعون النبيّ (ص) فينبغي أن تدعوه بأدب واحترام يليق بمنزلته، وليس كما تدعون بعضكم بعضاً.
وسبب نزول هذه الآية يكمن في أنّ جماعة من المسلمين لم يتعلّموا – بعد – الآداب الإسلامية في التعامل مع الرسول (ص)، فكانوا ينادونه (ص) بعبارة: يا محمّد! وهذا لا يليق بنداء قائد إلهي كبير.
وتستهدف الآية تعليم الناس أن يدعوا لرسول (ص) بعبارات رزينة وبأسلوب مؤدّب، كأن يدعوه رسول الله، أو نبيّ الله أو نبيّ الرحمة أو خاتم النبيّين أو سيّد المرسلين.
فحريّ بالمؤمن إن سمع هذا أن يتأدّب بهذا الأدب فلا يذكر اسم نبيّه (ص) إلّا ومقروناً بكلمة رسول الله أو نبيّ الله وأمثال ذلك.
اللّهمّ زدنا محبّة لرسولك وأهل بيته الأطهار.
اللّهمّ زدنا اتّباعاً لتعاليم رسولك وأهل بيته الأطهار.
اللّهمّ زدنا توقيراً وتعزيراً لرسولك وأهل بيته الأطهار.
اللّهمّ صلِّ على محمّد رسولك وعلى آله الأطهار وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
الهوامش:[4]- دعائم الإسلام، القاضي النعمان المغربي، ج1، ص29.
[5]- الحدائق الناضرة، المحقق البحراني، ج8، ص465، رواه عن ابن حجر في صواعقه.
[6]- الكافي، ج2، ص495.[7]- م.ن، ج8، ص19.
المصدر: كتاب إلا رحمة للعالمين/ سلسلة الدروس الثقافية (38)
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق