• ١٧ تموز/يوليو ٢٠٢٤ | ١٠ محرم ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الطلاق.. قيم ومبادئ

محمد العليوات

الطلاق.. قيم ومبادئ

تسريح بإحسان: العنوان جزء من آية قرآنية - في سورة (البقرة/ 229) - هي واحدة من وصايا الرب عزّوجلّ لنا بأن نكتب الفصل الأخير من حياتنا الزوجية - إذا لم يكتب لها الاستمرار والنجاح - بكل رحمة ولين وسلم وسلام، بعيداً عن التناحر والتشاجر والشكاوي..

إن بيننا من يكتب نهاية الفصل الأخير من حياته الزوجية بصورة مغايرة تماماً لوصايا الحق عزّوجلّ... إذ ينهيها بالظلم والتوحش... والبذاءة، فيترك ذلك جروحاً عميقة في قلب الشريك الذي شاركه في المأكل والأماني والأحلام والمخدع!! ولربما سيشاركه في رعاية الأبناء.

فهل نرتقي إلى تعاليم الدين وأخلاقه ونكف الأذى عن بعضنا، ونتفرق بهدوء، متمسكين بنور تعاليم الدين ووصاياه... ( تسريح بإحسان)

أم نفعل بالعكس؟؟!

ولاتنسوا الفضل بينكم:

غضب وهيجان، حزن وكآبة، وتوثب للانتقام... هذا ما يحدث غالباً في أوقات الطلاق.

ومن هنا تأتي أهمية الوصايا الربانية القرآنية التي تخبر ضعف الإنسان في مثل هذه الحالات (وَخُلِقَ الإنْسَانُ ضَعِيفًا) (النساء/ 28).

هذا الضعف الذي يخرجه عن توازنه، ويسلك به طريقاً معوجاً في الظروف العصبية، واللحظات المتأزمة، حيث يغادر العقل صاحبه، ويستسلم لهوى النفس الأمارة بالسوء، وإيحاءات الشيطان الرجيم... إنّه حديث النفس الأمارة بالسوء بالانتقام من الشريك القديم، وأخذ الثأر منه، وتشويه سمعته بين الناس، وإسقاط شخصيته، ونشر عيوبه بكل الوسائل... بركان من الغضب لا يهدأ... مطاردة للأخر لإنهائه من الوجود الاجتماعي... ولسان الحال لن أتركه يتزوج أو تتزوج مرة أخرى!!

مشهد يتكرر وهو يعكس مستوى لياقة الإنسان الأخلاقية والسلوكية في الأزمات المماثلة... إنّه جموح الضعف، وتراكم الضغينة، والغضب.

في هذه الحالات البائسة نحن في أمس الحاجة للوصايا الربانية لتذكرنا بالحقائق الإنسانية السلبية التي يجب ان نرتقي بأنفسنا إليها، ولنتأدب بالخلق الديني، ونتعظ بكلام الله عزّ وجلّ الذي يوقظ فينا الضمير، ولتعود إلينا إنسانيتنا من جديد قبل ان نجمح بوحشيتنا، وتسيطر علينا غرائزنا الجامحة...هذا مايهدي إليه قوله عزّ وجلّ من قائل:(وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) (البقرة / 237).

هذا ما يجب أن يتذكره الأزواج وهم يرددون صيغة وألفاظ الطلاق... العودة بقلوبهم إلى أيام المحبة والمودة، أيام العيش المشترك على الحلوة والمرة كما يقال... عاشا أياماً جميلة... تساندا في أيام الشدائد... تلك الأيام التي أفضى فيها كل إلى صاحبه.. تعانقاً.. تباشراً.. أفلا يشفع كل ذلك في تجاوز الغضب، والضغائن، وحفظ الود الإنساني بينهما، والامتناع عن كل فعل يؤدي إلى تشويه صورة الآخر!!

ولحفظ الود والفضل الإنساني في هذه اللحظات العصيبة قصة أخرى...

فكم من امرأة أنعشت ذاكرتها بموقف جميل من طليقها... تراجعت عن موقفها الغاضب تجاهه، وأخبرته برغبتها في إعادة ما انقطع من الوصل.

وكم من رجل أخجلته طليقته بإحسانها في يوم ما، عاضدته، آزرته في موقف حرج.. وما أكثر المواقف الصعبة في الحياة.. فاستحى من نفسه، وانبعثت من أعماقه حرارة الرجولة والمراوءة، وأعاد طليقته إلى الحضن الزوجي الدافئ.. أفلا نردد كلام ربنا عزّوجلّ (ولا تنسوا الفضل بينكم) ففيها كلّ الخير لمن يبصر النور!!

تقول (س) - بعد عودة حياتها الزوجية إلى سابق عهدها من الاحترام والمودة -: كان قد مضى على طلاقنا شهران عندما أعادني إلى حضن الزوجية، وفي حينها لم تبقى من أيامي عدتي إلا أيام قليلة... وفي يوم رائق من الصفاء سألته برقة... وقلت له لماذا أرجعتني إلى ذمتك الزوجية، بعد قرارك المفاجئ بالانفصال..لاذ بصمت محير!! وبعد تردد وحياء لمحته في وجهه... قال لي بصوت هادئ ومتقطع: إنّه معروفك التي طوقتي به عنقي!! قلت متسائلة: أي معروف؟؟ وليس بين الزوجين ما يمنان به على بعضهما البعض!! أجاب مبتسما هل تذكرين تلك الليلة التي حدثتك فيها عن صاحب الدين الذي هددني وأمهلني فترة وجيزة قبل أن يبادر برفع دعوة علي في المحكمة؟؟ بصراحة لقد هزني موقفك في مساء اليوم التالي عندما فؤجئت بك وقد ناولتني رزمة من النقود تتجاوز ماعلي من دين....

وما هزّ أعماقي أكثر إخبارك إياي بعد سؤالي عن مصدر المال فكانت إجابتك، إنّه ثمن بيعك لبقايا مجوهراتك!!

إن تلك المشاهد لازلت احتفظ بها في ذاكرتي، وهي التي أنقذت حياتنا الزوجية، ولولاها لكان الأمر مختلفاً.

لاتفشي سر الشريك:

يعمد البعض من الأزواج  بعض الطلاق إلى إفشاء أسرار الآخر، والسر هو كلّ ما لا يرضى صاحبه بكشفه او أظهاره سواء كان فعلاً أو قولاً وسواء تعلق ذلك بشخصية الأخر السلوكية أو الصفات الجسدية، أو قضايه المالية...

ففي حين يحرص الإزواجي الأسوياء على حفظ أسرار بعضهم الداخلية والتكتم عليها أثناء الحياة الزوجية نرى البعض ينقض هذه القاعدة، ويفرط في مسؤوليته الأخلاقية  بتسريبه خفايا الشريك الآخر الذي لايرتضيها أن تشيع عنه، على شاكلة إطلاق بعض النساء صفة البخل الشديد على الطليق، أو التهاون في الدين، أو في الصلاة.. أو وصفه بزائغ البصر.. أو ذكر مواقف مسيئة له من أشخاص أو أوجهات كانت قد أطلعت عليها منه.

وقد يخطئ بعض الرجال في حق طليقته بوصفه إياها بأنّها غبية، كسولة، سمينة، سيئة الخلق، لاتجيد الطبخ، ما عندها ذوق، لاتعرف الأناقة.

ولاشك أن هذه الممارسات مدانة أخلاقاً وشرعا وتندرج تحت عنوان الغيبة، وهي من الكبائر المنهي عنها شرعاً..يقول عزّ وجلّ من قائل: (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) (الحجرات/ 12).

وعن الرسول الأكرم محمّد (ص) في خطبة الوداع أنّه قال: «إن الله حّرم الغيبة كما حّرم المال والدم».

وفي مقابل ذلك تؤكد التعاليم الدينية على التزام الستر على الآخرين.. يقول الرسول الأكرم (ص): «من ستر على قوم فاحشة فكأنما احيا موءودة». وعنه (ص): «من ستر أخاه المسلم في الدنيه ستره الله يوم القيامة».

وجاء عن الأمام موسى الكاظم (ع) قوله: «لاتذيعن عليه ( أخاك المؤمن) شيئا تشينه به وتهدم به مروءته، فتكون من الذين قال الله عزّوجلّ: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النور/ 19)».

فكيف بمن كان يوماً من الأيام نصفك الآخر.

الابتزاز سرقة مغلفة:

يسعى بعض الازواج إلى ابتزاز زوجاتهم مالياً تحت عناوين شرعية، كعنوان الخلع (أن تبذل له مالاً في مقابل طلاقه لها)، بيد أن كثير من الحالات والوقائع لا ينطبق عليها عنوان(الخلع)بل ينطبق عليها عنوان آخر، إذ تكون الكراهة في الحقيقة بين الطرفين - أي كل منهما يكره الآخر، ولايريد استمرار العلاقة الزوجية معه، وهو ما يسمى بل المصطلح الشرعي (المبارة) - في حين أن عنوان الخلع إنّما يصدق على الكراهية من جهة الزوجة، فهي التي لا تريد بقاء العلاقة الزوجية بل تريد الطلاق.

والفرق المهم هنا بين المبارة والخلع هو (إنّه يتشرط فيها (المبارة) أن لاتكون الفداء - المال الذي تدفعه للزوج مقابل الطلاق - أكثر من مهرها، بل الأحواط أن يكون أقل منه، بخلاف الخلع فإنّه فيه على ما تراضيا به ساوى المهر أم زاد عليه أم نقص عنه).

وعلى هذا فإنّ ما يمارسه بعض الأزواج بطلب مبالغ ضخمة - تفوق المهر كثيراً (وهو كاره لها أيضاً) ليقوم بعد ذالك بطلاقها - تجاوز صريح وتعد على حدود الله عزّوجلّ، فليس من حقه في هذه الحالة أن يأخذ منها أكثر من المهر، كما هو مبين في فتاوى الفقهاء!! وإن ذلك يعد من أكل المال بالباطل، وبغير وجه حق. وقد نهانا الخالق عزّوجلّ بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) (النساء/ 29).

وتغليف ذلك بأسم الخلع مع إنّه كاره لها لايغير في الحقيقة شيء.. إنّه المال الحرام.. الزقوم الذي يغلي في البطون كغلي الحميم.

تجارة بائسة:

هناك صورة أخرى يمارس فيها الابتزاز المالي، وهي لا تقل سوءاً عن سابقتها...

ففي بعض حالات الخلع يتاجر البعض بآلام، وجراحات زوجاتهم حينما يتحولون إلى تجار جشعين بطلبهم أموالاً ضخمة تتجاوز قيمة المهر، بل وتكاليف الزواج.. يفعلون ذلك عمد وتخطيط مسبق، بل ويعمد البعض إلى أساءة معاملة زوجته من أجل استفزازها لتطلب الطلاق فينالون ما خططوا له..

إن كلّ تلك الممارسات المشينه مذمومة شرعاً، ولا يمارسها إلّا كلّ من نزعت منه الرحمة، وكان الشيطان له قريناً.. إنّها وصمة عار على من يدعي الإيمان.. والإيمان منه براء، براءة الذئب من دم يوسف.. إنّه تحلّل من كل شيء.. من الدين والإنسانية، والأخلاق، والرجولة، والشهامة...

 

المصدر: كتاب لا تتعجل

ارسال التعليق

Top