• ١٩ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٧ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

وعي الإسلام بمكانة المرأة ودورها

عمار كاظم

وعي الإسلام بمكانة المرأة ودورها

قد خلق الله سبحانه المرأة لتكون عنصراً فاعلاً في المجتمع الإنساني، لأنّها طرفاً أساسياً فيه، تقابل الرجل الطرف الأوّل. فمنهما يتكوّن أفراد المجتمع الإنساني. قال الله سبحانه: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا) (المؤمنون/ 115). كلا إنّما خلقهما لمهمّة خطيرة، لها أبعادها، كما لها حيويتها، إنّها إنسانية الوجود، وازدهارها في خضمّ الحياة لما فيه الخير والسعادة، والعيش الرغيد. وحيث أنّها تقابل الرجل العنصر الأوّل في تقويم المجتمع الذي أراده الله لعباده، فلابدّ أن تكون معه في مستوى واحد من حيث القابليات، والإدراك: (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) (الأنعام/ 98)، وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيراً وَنِسَاءً) (النساء/ 1). وحين نقول بتساوي الإدراك والقابليات فليس معناه الاتحاد الكمي. فمن الطبيعي الاختلاف تبعاً للمقياس الثقافي، وسلّم المعرفة، لكن المقصود وجود تلكم الغرائز الأساسية فيها، والقابلية للنمو والتطوّر حين تحفيزها للتكامل والإبداع.

المرأة في نظر الإسلام اختلفت كلّ الاختلاف عن السابق، فقد أعاد لها كرامتها، ورفع عنها الحيف الذي نالها من الحضارات التي كانت تراها كائناً لا يستحق الاعتبار، ورفض كلّ تلك السمات الشائنة لها، فقال سبحانه، (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) (النحل/ 97)، وقال سبحانه: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) (النساء/ 124).

ولم يقف الإسلام عند هذا الحدّ في رفع مكانة المرأة، إنّما تعدى إلى أكثر ممّا نتصور، فقد ساواها بالرجل من حيث الاعتبارات الأساسية، والقيم الإنسانية، وهيأ كلّ مقومات التوازن الفردي لها، بحيث جعل منها عنصراً حيّاً في تأسيس المجتمع، وديمومته، وطاقة إبداع للوجود الإنساني، تكويناً، وتربيةً، ونموّاً مثمراً، حتى قال سبحانه عن هذا الاندماج الازدهاري: (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ) (البقرة/ 187)، واللباس ستر لعيوب الإنسان، وتقويم لمظهره الخارجي. وكما أنّ الرجل لباس للمرأة، فكذلك هي له، كلّ منهما جزء مُتمم للآخر، حاجة مُتبادلة بينهما، تشدّهما إلى بعض، وتنزلهما منزلة واحدة، لها خصائصها، وميزاتها الفردية، والاجتماعية.

إنّ نظرة الإسلام إلى المرأة تركّزت على رفض الأفكار الخاطئة التي أُلصقت بها وحطت من شأنها، فالإسلام أكّد على أنّها شطر النفس الإنسانية، وصانعة الجنس البشري، وحارسة العش الذي تدرج فيه الطفولة، والأمينة على أنفس عناصر هذا الوجود: «الإنسان، وأنّ عملها في إتقان هذا العنصر لا يعدله عملها في إتقان أي عنصر آخر، أو أي جهاز... إلى آخر هذه الاعتبارات الفطرية الإنسانية الكريمة».

إنّ للمرأة إمكانية فائقة في عملية تغيير المجتمع من خلال تربية الأولاد، والاهتمام بتنشئتهم نشأة صالحة تؤهله لتحمل المسؤولية في بناء مجتمعه، كما لها قابليتها في مجال التعليم والتربية المدرسية، وقد أثبتت التقارير العلمية إنّ قدرتها في هذا الميدان مهمّة للغاية، خاصّة إذا رافق عملها الالتزام العقائدي.

ومعلوم أنّ الالتزام العقائدي في الخطّ الجهادي النسوي مثّل دوراً رائعاً في مسيرة الإسلام منذ شروقه، وحتى عصرنا الحالي، وشهيدات العقيدة الإسلامية أكدن على هذه الحقيقة، ويذكرنا التاريخ أنّ السيِّدة البطلة زينب بنت عليّ بن أبي طالب (عليها السلام) أجّجت الثورة في وجه الباطل ضد الأمويين بعد مقتل أخيها الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء، سواء أكان في كربلاء، أم في الكوفة، أم في الشام، أم المدينة بعد عودتها من كربلاء، وكانت في كلّ هذه الأدوار مثال المرأة الداعية إلى مبدئها القويم، الذي ضحّى من أجله أبوها وأخوتها، وكلّ أهل بيتها الكرام الطاهرين.

ارسال التعليق

Top