مع الجيل الرابع لشبكات المحمول:
"محمولك هو عالمك"... شعار ظهر لأوّل مرة في العام 2003 بمؤتمر دولي عقد بمدينة شنغهاي الصينية حول مستقبل التليفون المحمول، وكان أصحابه يرون أنّ الهاتف المحمول سيكون بوابة التواصل الأساسية بين الإنسان ونفسه، وبينه وبين العالم من حوله، بحيث يمده بخدمات تشمل الترفيه والبيع والشراء وممارسة العمل من البعد وتنظيم المواعيد والدخول على الانترنت، بل واستخدام الصوت والصورة الحية والخريطة والبيانات والمعلومات اللحظية لمساعدة رجال الشرطة في السيطرة على وضع أمنى متفجر، ومع انعقاد المؤتمر الدولي السنوي للإتصالات المحمولة بمدينة برشلونة الإسبانية في مارس 2013، جرى الإعلان عن التشغيل التجاري واسع النطاق لشبكات الجيل الرابع من شبكات المحمول، والتي تحول معها شعار "محمولك هو عالمك" إلى حقيقة واقعة بالفعل... كيف؟
في ضوء ما أعلن خلال مؤتمر برشلونة، يمكن القول إنّ السرعة العالية والقدرة الفائقة على نقل وتبادل البيانات والمعلومات هي "روح" الجيل الرابع من شبكات المحمول، فشبكات المحمول من هذا الجيل قادرة على نقل وتبادل المعلومات بسرعات وأحجام تزيد على ما يجرى نقله في شبكات الجيل الثالث الحالية بعدة أضعاف، حتى أن شبكات الجيل الثالث تبدو بطيئة ومملة إلى حد كبير مقارنة بما تقدمه شبكات الجيل الرابع.
بالتوازي مع ذلك شهدت أجهزة المحمول هي الأخرى تطورات كبرى، جعلت المحمول أقرب إلى الحاسب الشخصي، فهو يتمتع بمساحة تخزينية كبيرة، وكاميرا فيديو وتليفزيون، ومعبر واسع وعالي السرعة للإنترنت ووحدة معالجة مركزية ووحدة ذاكرة الكترونية ونظام تشغيل بمواصفات متقدمة، تجعله قادراً على العمل كجهاز ألعاب، وعلى تشغيل عشرات البرمجيات والتطبيقات التي تخدم في شتى المجالات، من استقبال بيانات الطقس إلى قراءة حرارة الجسم وفحص الجلد ومتابعة نبضات القلب، يضاف لذلك خاصية تلقي إشارة الأقمار الاصطناعية التي تجعل منه جهازاً لتحديد موقع صاحبه على الكرة الأرضية، وتشغيل برمجيات متقدمة في مجال الخرائط الرقمية.
كانت هذه الحزمة الواسعة من الإمكانات في حاجة إلى قناة اتصال عريضة النطاق وعالية السرعة، تستطيع استيعاب كل البيانات والمعلومات التي تتطلبها الخدمات والمعاملات التي يمكن إجراؤها عبر المحمول، وهذا ما حققته شبكات الجيل الرابع إلى حد كبير، مما منح المصممين والمصنعين فرصة لتحويل المحمول إلى أداة توفر لمستخدمه سلسلة من الخدمات والوظائف المتعددة، بناء على قاعدة الاحتياجات اليومية للإنسان طوال الأربع والعشرين ساعة، لكي يقوم المحمول بتلبيتها، ويجعل من جملة "تليفونك هو عالمك" حقيقة وليس شعاراً، ويمكن تناول هذا الأمر في النقاط التالية:
- يحتاج المستخدم بطبعه للتواصل مع الآخرين من حوله، وهذه الخدمة كانت في الماضي قاصرة على الاتصال الصوتي، لكن في ظل الجيل الرابع استطاعت التصميمات الجديدة للمحمول أن تحسن إلى حد كبير من مستوى التواصل المرئي عبر التليفون المحمول، فالمستخدم يمكنه من خلال الكاميرا المدمجة في تليفونه ان يرسل صورته ويستقبل صورة الطرف الآخر على الهواء مباشرة بمستوى جودة عال جدّاً، وهنا ستكون انفعالات الوجه والتعبيرات أثناء الحديث جزءاً من المحادثة، فيصبح التواصل أكثر عمقاً من الاتصال الصوتي المنفرد وربما يغنى عن الاتصال المباشر، وأيضاً فإنّ التواصل بالصورة لا يقتصر على المحادثة الفورية، فهو يشمل التقاط الصور وارسالها للآخرين لحظة بلحظة، من خلال خدمة الرسائل المتعددة المحتوى.
- يحتاج مستخدم المحمول أن يكون على اتصال دائم ببريده الالكتروني الذي أصبح وسيلة عصرية لا غنى عنها لدى ملايين البشر، والتليفون المحمول بالجيل الرابع قادر على أن يكون بوابة عبور سريعة وسهلة بل وعملاقة ومن أي مكان لبريده الالكتروني، سواء كان عبر الإنترنت أو لدى نظام بريد الكتروني بالمنشأة التي يعمل بها.
- يحتاج الإنسان إلى سكرتير خاص ينبهه للمواعيد المهمة طوال اليوم، والأسبوع والشهر والسنة، والأشخاص الذين يتعين عليه الاتصال بهم أو لقائهم، والمحمول قادر على القيام بهذه المهمة بكل كفاءة، فهو مزود بوظيفة العمل كمنبه وساعة، ومنظم لجدول المواعيد، ولأنّه أصبح حاسباً آلياً صغيراً، فيسمح لمستخدمه بأن يحمل في ذاكرته أشهر البرامج التي يلجأ إليها مستخدمو الحاسبات في تنظيم مواعيدهم وأعمالهم واتصالاتهم، والأمر هنا يصل إلى أنّ التليفون ينبه صاحبه بموعد الاتصال بشخص ما ويستأذنه في طلب المكالمة تلقائياً، أو يوقظه من النوم في وقت ما.
- يحتاج الإنسان لأن يتحادث أو (يدردش) مع الآخرين، من أفراد الأسرة والأصدقاء والزملاء في العمل، سواء لمجرد التواصل الاجتماعي أو لحاجة طارئة أو ضرورة تفرضها ظروف العمل، وبظهور الجيل الرابع أصبحت وظيفة سهلة جدّاً بالنسبة للمحمول، الذي أصبح قادراً على فتح حلقات حوار ودردشة ومحادثة مع شخص أو أكثر في أي وقت يريد عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
- بعض مستخدمي المحمول يهوى سماع وتأليف الموسيقى أو الرسم أو حل الألغاز، والمحمول بتصميماته وتكنولوجياته المتطورة قادر على أن يشبع هذه الهوايات لدى صاحبه، سواء بمفرده أو بمشاركة أصدقائه عبر اتصالات عالية السرعة بالجيل الرابع.
- قطاعات أخرى من المستخدمين – خاصة من صغار السن والشباب – لديهم ولع وحب شديد لممارسة الألعاب الالكترونية، وهذه الهواية تعتبر جوهرة التاج في عالم الترفيه عبر المحمول، ويوليها المصممون والمنتجون أهمية خاصة، وحالياً ليس متاحاً فقط ممارسة لعبة أو أكثر عبر المحمول، ولكن بالإمكان ممارسة اللعب بشكل جماعي مع الآخرين عبر المحمول، بالاستفادة من السرعات الفائقة التي تتيحها تكنولوجيا الجيل الرابع.
- أثناء الحياة اليومية يحتاج الإنسان لأن يشتري ويتسوق الكثير من الأشياء من أماكن مختلفة، ومع شبكات الجيل الرابع أصبحت يد المحمول طولى في هذا الصدد، حيث يمكن للمستخدم الدخول لموقع أي شركة على الانترنت عبر المحمول ويشتري ويطلب توصيل ما اشتراه إلى المكان الذي يريده.
- البعض يهوى الاستماع للأغاني والألحان الموسيقية ومشاهدة الأفلام، ومع الجيل الرابع سينتقل المستخدمون من الانتظار إلى المشاهدة الطبيعية، ويصبح تنزيل ومشاهدة الأفلام والبرامج بصورة حية وظيفة سهلة جدّاً بالنسبة للمحمول، خاصة بعد أن تطورت جودة تشغيل الملفات الموسيقية وملفات الفيديو بعد تزويد التليفون بخصائص الصوت المجسم والرؤية ثلاثية الأبعاد.
- مع الجيل الرابع لشبكات المحمول يصبح الدخول على الانترنت عبر المحمول مثالياً من حيث السرعة والسهولة وضمان الاتصال، مما يُمكّن صاحب المحمول من الاتصال بالانترنت والدخول على مواقع وشركات خدمات المعلومات، فيتصل بحسابه في البنك، ويحجز تذكرة في القطار أو الطائرة، أو غرفة في فندق، أو رحلة سياحية، أو دفع مخالفاته المرورية، أو فواتير الكهرباء والغاز والمياه، أو المشاركة في اجتماعات لحظية بالصوت والصورة لزملاء في العمل أو أصدقاء من البعد.
لا تتوقف تأثيرات شعار "محمولك هو عالمك" عند الأفراد فقط، بل بدأت تلقى بضلالها على الكثير من المؤسسات والصناعات، فهذا التطور جعل برامج التليفزيون وأفلام السينما تواجه الحاجة إلى عروض تبدو جديدة على الشاشات الصغيرة، وبدأ يفرض على المعلنين التحول للإعلان على المحمول، وموفرو الرعاية الصحية بدأوا يواجهون ظهور أنماط من الرعاية الصحية تقدم من خلال المحمول وتتجه للمنافسة مع ما يقدم بالمستشفيات والعيادات، وخطوط الاتصال المؤمنة عالية السرعة عبر المحمول تتيح للموظفين الوصول إلى برمجيات البيانات الكثيفة والثقيلة بالشركات، وتحميل أو تنزيل ملفات بيانات ضخمة ومؤتمرات الفيديو، وهذا من شأنه أن يجعل الحياة أسهل بالنسبة للعاملين الذين تضطرهم أعمالهم للسفر والتنقل، كما يفك قيد الكثير ممن يعملون على مكاتبهم، لكنها في الوقت نفسه يمكن أن تؤدي إلى فترة انتقال صعبة ومخادعة لكي يقوم الملايين من الموظفين ومؤسسات الأعمال بتوفيق أوضاعهم وأنفسهم مع هذا العالم الجديد.
المصدر: مجلة العربي العلمي/ العدد الثامن عشر لسنة 2013م
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق