توفّرت في الإمام الجواد (عليه السلام) الصفات الرفيعة، والمُثل الكريمة، حتى أنّه لكرمه لُقِّب بالجواد. إنّ الإمام (عليه السلام) لا يدانيه أحد في سعة علومه ومعارفه وأنّه لابدّ أن يكون أعلم أهل زمانه، وأدراهم بشؤون الشريعة وأحكام الدِّين، والإحاطة بالنواحي السياسية والإدارية وغير ذلك ممّا يحتاج إليه الناس، أمّا الأدلة على ذلك فهي متوفّرة لا يتمكّن أحد أن ينكرها أو يخفيها. لقد احتفّ بالإمام الجواد (عليه السلام) وهو ابن سبع سنين، أشهر العلماء والفقهاء والرُّواة وهم ينتهلون من نمير علومه، وقد رووا عنه الكثير من المسائل الفلسفية والكلامية.
يتحدّث الإمام عن الصفات الأساسية للمؤمن، بقوله: «المؤمن يحتاج إلى توفيق من الله عزّوجلّ ـ أن يوفقه الله للحقّ وللخير وللالتزام الديني، وأن يفتح قلبه على ذلك كلّه ـ وواعظ من نفسه ـ بمعنى أنّه لا يحتاج إلى واعظ من الخارج، بل يحاسب نفسه ويعظها بالتأمّل والتدبّر والتفكير، حتى تعرف نفسه من خلال تأمّلاته ومجاهداته، ما ينبغي لها أن تفعله، وما ينبغي لها أن تتركه ـ وقبول ممّن ينصحه - أن يستمع النصيحة من الناصحين الذين يملكون الخبرة والمعرفة والإخلاص، فيفتح عقله لهم، ليفكر في ما ينصحونه به، ويتقبّل ذلك عندما يرى الخير في هذه النصيحة، لأنّ الإنسان المؤمن لابدّ له من تجديد نفسه بما يصلحها، وأن يغيرها فيما إذا كانت تسير في اتجاه ليس من مصلحتها، ولهذا يقول تعالى: (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد/ 11)». وأيضاً، ممّا قاله لرجل استوصاه، قال له: «أوَتقبل؟» قال: نعم، قال: «توسّد الصبر ـ كن الإنسان الصابر على ما يواجهك من النوائب والمصائب والتحدّيات، ونحن نعرف أنّ الصبر لا يعني الاستسلام من دون تفكير، ولكنّ الصبر هو أن لا يسقط الإنسان أمام المشكلة، بل أن يتحمّل كلّ مفاعيلها المؤلمة، لأنّ هناك من الناس مَن يجزعون عند المصائب ويسقطون أمام المشاكل، لأنّهم لا يتحمّلون آلام المصيبة، ولا يتحمّلون النتائج السلبية للمشكلة، لذلك فهم لا يتماسكون، بل يسقطون أمامها. أمّا الإنسان الصابر، فهو الإنسان الذي يحكّم عقله، ليدرس المشكلة وليدرس المصيبة، وليخطّط كيف يواجهها، وكيف يحتويها، وكيف يتجاوزها بالإرادة الصلبة، فهذا ما يمكن أن يحقّق له النجاح في الدُّنيا والآخرة.
ـ واعتنق الفقر ـ إذا جاءك الفقر فلا تسقط نفسك أمامه، بأن تبذل نفسك لمن يذلّك، ولا تتنازل عن مبادئك وعزّتك وكرامتك وحرّيتك نتيجة المغريات التي يقدّمها الآخرون في حالة فقرك، بل حاول أن تعتنق الفقر، وتعمل حتى تتجاوزه ـ وارفض الشهوات ـ لأنّ الشهوات تنطلق من عمق الغرائز، وعلى الإنسان أن يجعل عقله أقوى من غريزته وأقوى من شهوته، لأنّ الله لم يمنع الإنسان من شهوة، ولكنّه أراد له أن لا تطغى شهوته على عقله، وأن لا يسقط مصيره أمام أهوائه. (أرأيت من اتّخذ إلهه هواه) ـ واعلم أنّك لا تخلو من عين الله ـ فالله يراقبك في كلّ كلماتك، وفي كلّ أعمالك، في خلوتك، في حياتك مع الناس، في بيتك، كيف تتعامل معهم، وكيف تقوم بمسؤولياتك تجاههم، ويراقبك في عملك كيف تتقنه، وكيف تخلص له، ويراقبك في مواقفك، كيف تتخذها؛ هل تتخذها من خلال اقتناعك وإيمانك، أم تتّخذها من خلال شهواتك ومطامعك؟ والله يراقبك حتى في حركة فكرك وفي ما تنطلق به نواياك ويراقبك في عواطفك؛ هل تتحرّك مع الحقّ أم مع الباطل؟. وهكذا يراقبك الله في كلماتك، فقد قال تعالى: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ) (المجادلة/ 7)»، فهو يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، واعلم أنّك لن تخلو من عين الله، فانظر كيف تكون.مقالات ذات صلة
ارسال التعليق