• ١٩ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٧ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

متطلبات الآباء.. تستنفد طفولتهم

متطلبات الآباء.. تستنفد طفولتهم

    الأطفال أعباؤهم أكبر منهم...

من ممارسة التمارين الرياضية، إلى حضور الدروس الموسيقية، إضافة إلى أداء الواجبات المدرسية، متطلبات من الأهل لأطفالهم قد لا تنتهي، فهل سأل أحدكم ما ضريبة كلّ هذا الضغط على هؤلاء الصغار؟

كلّ هذه الأعباء الملقاة على عاتق الأطفال تعني أنّ هؤلاء الملائكة الصغار ليس أمامهم سوى القليل من الوقت لتكوين علاقات صداقة، والقليل منه للعب، كما لن يكون أمامهم متسع من الوقت للتفكير بأنفسهم وأحلامهم، والتي تساعدهم في الحقيقة على أن يفهموا من هم فعلاً. ما يجب أن يفهمه الأهل جيداً هو أنّ اللعب أمر مهم للغاية، لا بل أهم من تلك الأنشطة المفروضة على الطفل الذي يتعلم ويتأقلم مع عالمه بشكل فعال أكثر خلال أوقات اللعب لأنّ الأمور خلال هذه الفترات تسير بشكل عفوي لا يشعر الطفل فيه بأنّ عليه واجباً ضرورياً يجب أن ينتهي منه بأسرع وقت، وهذا بالتالي سيسبب له توتراً وضغطاً نفسياً كبيراً لأنّه لا يعيش مرحلة طفولته بشكل طبيعي. الوقت غير المنظم قد يلعب دوراً مهماً في تطور ونمو الطفل، كما يقول الأطباء النفسانيون، فهذا الصغير في حاجة لوقت يجلس فيه مع نفسه، ويحلم أحلام اليقظة، ففترات الملل تحفز وتدعم خياله. وفي هذه الأوقات أيضاً قد لا يكون الطفل مضطراً أن يلتزم بدروس السباحة أو الموسيقى أو غيرها، وهكذا يمكنه أن يقيم علاقات صداقة جيدة مع أقرانه، وفي الوقت نفسه يستطيع أن يفهم كيف يختلف عن الأطفال الآخرين.

 

التوزيع المناسب للوقت:

بالتأكيد لا يعني كلّ ما سبق أن يترك الطفل على مزاجه ليهدر الكثير من الوقت، لكنه في حاجة كبيرة لذلك الوقت الذي لا يكون فيه أحد ما قد أخبره ماذا يجب أن يفعل، وتشمل الفترات التي يحتاجها الطفل مشاهدة التلفاز، أو فعل أي شيء غير مدرج في لائحة الواجبات، في الوقت نفسه لا يعني ذلك أن يجلس الطفل أمام التلفاز، أو يلعب بألعاب الفيديو أكثر من ساعة أو ساعتين يومياً، ومن الضروري عدم وجود جهاز تلفاز أو كمبيوتر في غرفة الطفل لأنّ هذا المكان للنوم فقط.

الأوقات التي تكون مملوءة بالنشاطات المتعددة والمختلفة قد تناسب الطفل الذي يحب التحفيز فهذا سيستمتع بفعل أشياء كثيرة، لكن بالنسبة لطفل لا يجد متعة في ذلك ولا يحب الاختلاطات الاجتماعية كتلك التي قد تكون في دروس الموسيقى أو الرياضة أو غيرها، فإنّ هذا قد يسبب له ضغطاً نفسياً كبيراً فيضره ذلك الأسلوب بدلاً من أن ينفعه، فالطفل الذي يعاني أمراض الحساسية مثلاً قد يفاقم النشاط الزائد من مشكلته، أما من الناحية النفسية فربما تحدث تغيرات كبيرة في عادات النوم والطعام، وتزداد حساسية الطفل تجاه الآخرين، ويشعر في معظم الأوقات بالتعب والإرهاق الذي غالباً لا يجد الأهل تفسيراً واضحاً له.

 

أسباب ذاتية:

إنّ انشغال الأهل في معظم الأيّام قد يجعلهم دون أن يقصدوا ذلك، يميلون لجعل أولادهم ينشغلون بالكثير من الأنشطة ليغطوا غيابهم عنهم. والواقع أنّ لأسلوب حياة الآباء التأثير الأكبر في احتياجات الأطفال، لذلك يجب أن يعي الآباء حاجاتهم الذاتية، لكن في الوقت نفسه عليهم أن يدركوا أنهم بطريقة أو أخرى يؤثرون في احتياجات أطفالهم بصورة كبيرة.

ولأنّ الأهل يعتقدون أنّ تعليم أطفالهم بعض الأمور يجعلهم أفضل من غيرهم تجدهم يصرون على جعلهم يلتزمون بالأمور التي يرون فيها خيراً لهم، لكن لا ضرر أبداً من أن يتركوا هؤلاء الصغار يركّزون على الأمور التي يشعرون برغبة كبيرة تجاهها بدلاً من ملء جميع أوقاتهم بأشياء أكثر من اللازم.

باختصار، ما قد يمثل عبئاً ثقيلاً وكبيراً بالنسبة لبعض الأطفال، قد لا يكون كذلك بالنسبة لغيرهم، لهذا فإنّ الدور الرئيسي في هذه المسألة هو للأهل الذين يعرفون مدى الطاقة والقدرات لدى أطفالهم، فبذلك يمكنهم توجيههم في الاتجاه الصحيح. والأمر المهم جدّاً في التعامل مع الصغار هو أن يفسح الآباء دائماً مجالاً للنقاش حول النشاطات التي يجب الالتزام بها، والتي يمكن الاستغناء عنها، فمثل تلك النقاشات تسهم بشكل كبير في تحديد مشكلة ما بدقة والتحدث حول الحلول المناسبة لها، واختيار الأفضل للطفل. ويكمن سرّ نجاح هذه العملية كلّها في قدرة الأهل على جعل أطفالهم يرون أنفسهم أشخاصاً يستحقون الاحترام والتقدير.

ارسال التعليق

Top