• ١٩ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٧ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

قواعد تربوية لاستيعاب الحرمان العاطفي

قواعد تربوية لاستيعاب الحرمان العاطفي

ترسم التعاليم الدينية قواعد تربوية في غاية الدقة بين الآباء والأبناء بغرض التنشئة السليمة، وتركز تلك القواعد على إشباع الحاجات المعنوية والمادية لتجاوز مخاطر الانحرافات السلوكية.

ونلاحظ أن تلك التعاليم الدينية تلحظ عناصر التنشئة في وقت مبكر من عمر الأبناء، ذلك أنّ التعاطي مع تلك العناصر مبكراً له دور حاسم في نجاح العملية التربوية لأنها ستكون أعمق وأبلغ تأثيراً.

وتعطي الإرشادات الدينية أهمية خاصة للجانب المعنوي النفسي في عملية التنشئة لأثره البالغ تربوياً، لأنّه موضع تهاون الكثير من الآباء، إذ أنهم يولون عناية خاصة للجوانب المادية لأنها الأكثر شخوصاً في حين تتوارى من اهتماماتهم الجوانب المعنوية والتي تحتاج إلى المزيد من الوعي بأثرها في صناعة مستقبل الأبناء، كما تستلزم تلك الاهتمامات المعنوية أوقاتاً قد تشح في ضل الانشغالات اليومية المختلفة.

ففي مجال حب الأبناء والعطف عليهم وإشباع حاجاتهم المعنوية تنقل لنا التعاليم الدينية الكثير من الروايات... فقد روي عن الرسول الأكرم (ص): "أحبوا الصبيان وارحموهم".

كما جاء في رواية عن الصادق (ع) قوله: "إنّ الله ليرحم العبد لشدة حبه لولده".

كما تتحدّث التعاليم التربوية الدينية عن ضرورة إشباع الحاجات النفسية للأولاد ولو كان ذلك باللعب معهم والتصابي لهم... يقول الرسول الأكرم (ص): "من كان عنده صبي فليتصاب له".

 

البنات عناية خاصة:

ومن اللافت اهتمام الإرشادات الدينية في مجال تربية البنات، وحثّ الآباء على المزيد من العناية بهن، والعطف عليهنّ وإشباع حاجاتهن المختلفة، وخصوصاً المعنوية منها، وقد يفسر ذلك على أساس أنّ الأعراف الجاهلية  كانت لا تولي أهمية للأنثى وإنها لا قيمة ولا شأن لها عندهم فلا تستحق أي اهتمام أو رعاية، بيد أن هناك سبب آخر ويتمثل ذلك في الأحاسيس المرهفة للمرأة كتكوين سيكيولوجي، وإنها شديدة التأثر عاطفياً بما يتلائم ووظيفتها  كأُم.

عن الرسول الأكرم (ص) قوله: "من ولدت له ابنة فلم يؤذها ولم يهنها ولم يؤثر ولده عليها – يعني الذكور – أدخله الله الجنة".

ومن الروايات التي تلحظ عناية خاصة بالإناث لسرعة وشدة تأثرهن عاطفياً قوله (ص): "إنّ الله تبارك وتعالى على الإناث أرأف منه على الذكور، وما من رجل يدخل فرحة على امرأة بينه وبينها حرمة إلا فرحه الله تعالى يوم القيامة".

 

الرسول الأكرم (ص) قدوة وأسوة:

يفيض رسول البشرية حبه وعطفه لسبطيه الحسنين (عليهما السلام) بشكل دائم وفي مواقف عديدة، ومن هذه المواقف أنّه (ص): "قبّل الحسن والحسين (ع) أمام أصحابه فقال الأقرع بن حابس: إن لي عشرة من الأولاد ما قبّلت واحداً منهم، فقال ما عليّ أن فرغ الله الرحمة منك! وفي رواية أخرى فغضب رسول الله (ص) حتى التمع لونه وقال للرجل: إن كان قد نزع الله الرحمة من قلبك فما أصنع بك، من لم يرحم صغيرنا ولم يعزز كبيرنا فليس منا".

وبناء على تعاليم الدين القاضية بالتركيز والاهتمام بالجوانب المعنوية للأبناء نخلص إلى مجموعة من القواعد التربوية والسلوكية لمواجهة مشكلة الفراغ العاطفي الذي يعاني منه الأبناء... ومنها:

 

الانفتاح على الأبناء:

إنّ من المهم أن يبادر الآباء بالحديث مع أبنائهم بعفوية وبساطة بعيداً عن التخويف والترهيب، وكذلك العمل على نسج علاقات متينة يتفقد فيها الآباء الأبناء بشكل مستمر، ويتلمَّسون من خلالها حاجاتهم، ويتحسّسون مشكلاتهم، وليشعر الأبناء أنهم ليسوا وحيدين وإن آبائهم يقفون إلى جانبهم، ولن يتركوهم يواجهون الحياة بصخبها ومشكلاتها بمفردهم.

 

الإصغاء للأبناء:

كما أن على الآباء الإصغاء بشكل تام لمطالب الأبناء وأفكارهم، وحتى شطحاتهم ونزواتهم، وتحمُّل تجاوزاتهم، والصبر على ذلك ليتمكن الآباء من الفهم الدقيق لطريقة تفكيرهم، والانفتاح على همومهم، والبوح بما في أصقاع نفوسهم، ولكي يعملوا على استيعابهم وإحاطتهم بمزيد من الرحمة والإرشاد السديد، ولا يكفي الاستماع السطحي لحديث الأبناء وهمومهم، بل لابدّ من الإصغاء بكل المشاعر والأحاسيس وتركز قوى الإدراك كافة للإحاطة بشكل تام بمقاصد ودقائق شؤون وقضايا الأبناء.

 

احترام مشاعر الأبناء:

من المؤكد أنّ المدخل الطبيعي لقلوب الأبناء وكسب ودهم، تقديرهم واحترامهم، ومخاطبتهم بكل الكلمات الإيجابية التي لها وقع كبير في نفوسهم، والتي يشعرون معها بالدفء والحميمية، ويأنسون بها لما تعبر عن حب واحترام وتقدير، وفي المقابل فإنّ الكلمات المؤذية والمنفرة التي لا تحترم الآخر، ولا تقدره وتشعره بالإهانة والصغار واحتقار الذات تؤزم العلاقة بين الطرفين، وتراكم العقد والمشكلات التي يبتلى بها البعض نتيجة أخطاء التعامل الأسري.

 

الحوار مع الأبناء:

إنّ الحوار مع الأبناء يعزز فيهم القدرة على التعبير عن الآراء والأفكار والبوح بالمشاعر والأحاسيس، وهي حالة صحية قابلة للنمو، وتحمي الأبناء من الشعور بالحرمان والكبت النفسي والذي يتعرض له بعضهم جرّاء المعاملة الأبوية الغليظة والشديدة.

 

التشاور مع الأبناء:

يحتاج إلى التقدير والمكانة، ويمكن للآباء إشباع تلك الحاجة بطرق شتى ومنها مشاورتهم وأخذ رأيهم في المواضيع الأسرية خاصة، مما يتيح لهم التعبير عن الذات، والشعور بالتقدير والاحترام من قِبَل الوالدين.

 

تحييد مصالح الأبناء عند المشكلات الزوجية:

قد تسبب المشكلات الزوجية المزمنة جوّاً من التوتر داخل البيت الزوجي، يتأثر فيه الأبناء من صراع الأبوين الدائم، ويكونون بعيداً خارج دائرة الاهتمام والرعاية الوالدية، ويشعر الأبناء عندها بفراغ في جانب الاهتمام والرعاية النفسية بسبب المشكلات الزوجية المحتدمة، وهنا ينبغي على الأبوين تجاوز حالات التشنج الزوجي لمصلحة باقي أفراد الأسرة، والعمل على علاج الخلافات الزوجية وعدم الاستسلام للرغبات والانفعالات التي تهدد الحياة العائلية، وأن يخرجا مصالح الأبناء من دائرة التشنج والانفعال والعمل على فصلها باستمرار عن دائرة الخلافات البينية، بل إن واجبهما  كأبوين أن يتعاونا لإيجاد بيئة مليئة بعناصر الاستقرار المعنوية بما يشعر الأبناء بالاستقرار النفسي والعاطفي.

 

المصدر: كتاب أُريد حبّاً للكاتب محمد العليوات

ارسال التعليق

Top