يطلّ علينا شهر رمضان، هذا الشهر الذي لطالما كنا ندعو الله سبحانه وتعالى أن يبلغنا إيّاه، حتى نحظى بجزيل كرم الله وعطائه فيه، وها هو قد بلغنا إيّاه، فله الشّكر وله الحمد. وهو شهر ليس كبقيّة الشهور في فيوضات عطاء الله فيه، فهو شهر الرّحمة والمغفرة، وفتح أبواب العتق من النّار، واستجابة الدُّعاء، وتحقيق الآمال والأماني والطّموحات والأحلام... وقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لو يعلم العبد ما في رمضان، لودّ أن يكون رمضان السنة». لذلك، الواعون لحقيقة هذا الشهر، لا يمكن إلّا أن يكونوا فرحين مستبشرين بقدومه، رغم مشاقّ الصيام عندما يشتد فيه الحرّ وتطول ساعاته، لما يحظون فيه من عطاءات الله. ولذلك، يتوجّهون إليه بالتحايا التي كان يتوجّه بها الإمام زين العابدين (عليه السلام)، عندما كان يقول: «السلام عليك يا شهر الله الأكبر ويا عيد أوليائه. السلام عليك يا أكرم مصحوب من الأوقات، ويا خير شهر في الأيام والساعات. السلام عليك من قرين جلّ قدره موجوداً، وأفجع فقده مفقوداً، ومرجوٍّ آلم فراقه. السلام عليك من أليفٍ آنس مقبلاً فسرّ، وأوحش منقضياً فمضّ».
ولذلك، كان الإمام الصادق (علیه السلام) يوصي أولاده عند قدوم شهر رمضان قائلاً لهم: «فاجهدوا أنفسكم، فإنّ فيه تُقسّم الأرزاق، وتُكتب الآجال، وفيه يُكتب وفدُ الله الذين يَفِدون إليه، وفيه ليلةٌ العملُ فيها خيرٌ من العمل في ألف شهر». ولكن مع كلّ ذلك، هم خائفون من أن لا يكونوا لائقين بضيافة الله فيه، أو بما وعد به الصائمون في هذا الشهر، بعد أن ورد الحديث: «رُبَّ صائمٍ لَيس لَهُ مِنْ صِيَامِه إِلَّا الجُوعُ والعطش»، «ما أقلّ الصوّام وأكثر الجوّاع».
فشهر رمضان لن يحظى بعطاءاته أيّ كان، لن يحظى به إلّا الذين وفّروا في أنفسهم شروطاً تؤهّلهم لهذه الضيافة، أو التزموا بآداب الضيافة ورعوا حقّ من استضافهم، وهو الله سبحانه.
ولذلك، نحن معنيّون، وقبل بدء هذا الشّهر، بأن نتوقَّف عند ما هو مطلوب منّا فيه، لكي نكون من اللائقين بكلّ هذا الفيض الإلهيّ ومن الملتزمين به.
ما المطلوب منّا؟!
أما برنامج هذا الشهر، وما هو مطلوب منّا القيام به حتى نكون من المكرّمين فيه، فقد بيّنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في خطبته في آخر جمعة من شهر شعبان، حين وقف بين أصحابه، قائلاً:
«أيّها النّاس، إنّه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشّهور، وأيّامه أفضل الأيّام، ولياليه أفضل اللّيالي، وساعاته أفضل السّاعات، هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله. فهل نحن من ضيوف الرحمن ومن أهل كرامة الله تعالى؟ أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب». فلنجعل من أنفاسنا تسبيحاً وتنزيهاً لله من كلّ شرك وكفر ونفاق، ومن عملنا مقبولاً عند الله، بما فيه من قيمة ومضمون ونفع للحياة، ومن دعائنا مستجاباً عبر النيّة الصّادقة والإخلاص في التوجّه إلى الله والعمل الصّالح.
فأيّ كرم لهذا الكريم؟ وأيّ عطاء هو خير من هذا العطاء؟
هذا هو عطاء الله لكم في هذا الشهر، أمّا ما هو مطلوب منكم: «فسلوا الله ربّكم بنيّات صادقة، وقلُوب طاهرة - فهذا يحتاج إلى إرادة وإعانة من الله، لأنّ الإنسان في شهر رمضان يحبّ الخلود إلى الرّاحة - أن يوفّقكم لصيامه، وتلاوة كتابه. واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه ـ أي تذكّروا موقفكم بين يدي الله، يوم يجوع الناس ويعطشون لطول الحساب، حتى تدرسوا كيف تجعلون حسابكم يسيراً ـ وتصدّقوا على فقرائكم ومساكينكم، ووقرّوا كباركم، وارحموا صغاركم، واحفظوا ألسنتكم ـ عن الكذب واللغو والغيبة والنميمة والفحش ـ وغضّوا عمّا لا يحلّ النّظر إليه أبصاركم، وعمّا لا يحلّ الاستماع إليه أسماعكم. وتحنّنوا على أيتام الناس يُتحنّن على أيتامكم، وتوبوا إليه من ذنوبكم، وارفعوا إليه أيديكم بالدُّعاء في أوقات صلواتكم، فإنّها أفضل الساعات، ينظر الله عزّوجلّ فيها بالرّحمة إلى عباده؛ يجيبهم إذا ناجوه، ويلبّيهم إذا نادوه».
إنّنا في شهر الرّحمة، شهر التراحم، شهر الفقراء والمساكين والأيتام، ومخزون الرّحمة في يومٍ واحدٍ منه يوازي أضعاف ما هو في بقيّة الأيام.. فهلمّوا لنغرف من هذه الرّحمة لنكون من المرحومين لا من المحرومين.مقالات ذات صلة
ارسال التعليق