تلعب الثقافة دوراً كبيراً في حياة إنسان العصر الحالي، فهي السبيل الأفضل لتجنيبه الوقوع في الأخطاء التي يوقعه فيها الجهل، وذلك عن طريق تزويده بالمعلومات اللازمة عن الموضوع الذي سوف يتثقف به، فالثقافة تفيد في حركة السير وفي الوقاية من حوادث الطرق، الثقافة تفيد في الوقاية من حوادث المنزل، في وقاية الأولاد والأهل، والثقافة تفيد في كلّ مرفق من مرافق الحياة، لأنها حصيلة خبرة طويلة وتجارب عديدة، وهذه تختلف من بلد إلى آخر ومن إنسان إلى آخر حسب درجة ثقافته البدائية وكثرة معلوماته، ومن الضروري أن تستند هذه الثقافة على المعطيات العلمية والمعرفة والتجربة، إنّ الدعاية للتدخين قوية وعميقة (موضوعنا) وهي تتحدث بلغة العواطف والجاذبية والإغراء، وعليه فإنّ الثقافة المطلوبة يجب أن توجه نحو هذه المغريات بالطريقة العلمية وبمنطق العقل والواقع والتجربة، ومما لاشكّ فيه أنّ الدعايات والجهود التي تقوم بها جمعيات مكافحة التدخين أو مكافحة السرطان، أو مكافحة السل، أو مكافحة التلوث ذات تأثيرات مختلفة، إلا أنها أكيدة. تقام الآن ندوات كثيرة عن مضار التدخين تعرض فيها صور معبرة، وكثيراً ما يعجب المدخن بالصورة الموظَّفة ضد التدخين، إلا أنّه لا يأخذ منها أيّة موعظة.
كما أنّ بعض الدعايات تُظهر التدخين وكأنّه شيء عادي، ولهذا فإنّ الدعاية ضد التدخين عن طريق (التثقيف) يجب أن تكون حذرة ولبقة وسياسية إلى أقصى حد، ويجب أن لا تعتمد ما أمكن على فكرة الموت أو الحرمان، ولنذكر دائماً أن شركات التبغ تروج لبضاعتها بصور جذابة إيجابية، رجولة، نجاح اجتماعي، أو عاطفي، أو صحة جيدة، انشراح.
إنّ الدعاية العدوانية ضد السيجارة كثيراً ما تضيع هدفها، وتحدث ردود فعل للدفاع عن النفس، وتعطي للمدخن العذر في متابعة التدخين (إنني أعرف بأنني سأموت يوماً ما، وسواء دخنت أم لَمْ أدخن، فإن هذا لا يغير من الواقع شيئاً) ومن هنا يجب تهيئة دراسة عميقة وإعطاء فكرة علمية حيادية عن مضار التدخين، لكيلا تستغل للعمل ضده وإن دور الطبيب في هذا المجال رئيسي. إذ عليه أن يشرح أضرار التدخين بوضوح لمريضه الذي غالباً ما يجهل عواقب التدخين، يجب أن لا يتضمن هذا العرض نصيحة سلبية وعرضية، بل يجب أن يعطيه الاهتمام الأوّل ويزوده بالإرشادات اللازمة.
يجب على الطبيب اللجوء إلى مختلف الطرق لمساعدة الإرادات الضعيفة، التي يجب أن تدعم بمعالجة نفسانية تشرح الأذيات الصحية التي يسببها التدخين والتي تبرر توقيفه، إن هذا الترك ليس له أي ضرر ما عدا ما ينشأ عن الحرمان النفسي المؤقت. هذا الحرمان الذي يجب أن يقدره تارك التدخين نفسه، مقابل الفوائد الكبيرة الصحية والمادية والاجتماعية التي سوف يحصل عليها.
ومن الواضح الأكيد أنّ النتائج التي نتوقعها تستند إلى الوسط الاجتماعي والثقافي واتزان الشخص المدخن نفسه.
فالمدخن المفطوم لا يتأثر إلا جزئياً بفطامه، ويجب أن يبتعد عن كلّ ما يقوله الآخرون عن الصعوبات والعقبات والعراقيل.. ولكي نكون منصفين وواقعيين يجب أن نعترف بأنّ المدخن المفطوم يعاني من شعور الحرمان المؤلم، فهو لا يريد أن يترك عادة يعتبرها لذة ومتعة ولا أن يضحي من أجل حركات روتينية اعتاد عليها، يزعجه فراغ يديه، فقده لشيء ما بين أصابعه، فقده لشيء ما هو الآن ضائع لوحده، أمام عمله الذي كان يؤديه – مرفقاً – مع السيجارة، ومما لا شكّ فيه أنّ هذا الشعور يدوم أسبوعين تقريباً، ومتى قاوم المدخن هذه المدة اشتد عوده وتغلب على التدخين وتحصن ضد النكس، كما يمكن أن ينشأ لديه خوف من التبغ أو كره له. وعند المدخن العنيد Imvetere المزمن فإنّ النحول يكون كثير التصادف، والمدخن المتسسم يضيع 10 كغ من وزنه أو يكون ناقص الوزن عن المعدل بـ(10 كغ) وإنّ المؤشر الذي يدل على زوال التسمم – شريطة أن يكون ترك التبغ كاملاً – هو زيادة الوزن الذي يرتفع بشكل مدهش بمعدل (1 كغ) كلّ أسبوع في البدء، حتى تصل الزيادة لـ(10-15 كغ) بعد عدة سنوات، وكثيرون هم المدخنون من الرجال والنساء الذين يشكون – بألم – من نقص الوزن المعند والمتطور والمترافق بإعياء، فهم يشعرون بتراجع هذه الأعراض عندما يوقفون التدخين.
إنّ ازدياد الوزن هذا يترافق بوارد حروري متزايد فتزداد شهية المدخن للطعام، ويعوض عن التدخين بتناول الحلويات والمعجنات، وبذلك يختفي عامل من عوامل نقص الشهية بتأثير التبغ، إن ازدياد الوزن هذا قد يكون عامل تثبيط عند الآخرين الذين يخافون من زيادة الوزن إذا تركوا التدخين، ولابدّ في هذه الحالة من تدخل الطبيب لشرح ما يجب اتخاذه من تدابير؛ كما أن تأثير ترك التدخين على السعال والتقشع مدهش، ففي أسابيع تتوقف هذه الأعراض المزعجة التي كان يظن بأنها لن تزول أبداً، ويبدو تارك التدخين أصغر من سنه بعشرات السنين، إذ تعود إليه قوته وحيويته ويعود قادراً على لحاق الباص، وصعود الدرج، وحمل حاجيات بيته وأولاده.
إنّ ازدياد الوزن، نتيجة لعودة الشهية للطعام توحي بالنشاط وبالصحة الجيدة بدل الزرقة والوهن والتجعدات، هذه هي النتائج المباشرة والمدهشة للامتناع عن التدخين.
ولا تقل النتائج غير المباشرة عن هذه التي ذكرناها عن ازدياد الصحة وتورد الوجنتين، يزداد دخل العائلة وتتحسن حالة أفرادها الصحية والمادية والمعنوية، فأعضاء الأسرة الذين كانوا مدخنين بالإكراه – مدخنين سلبيين – تحرروا من هذا الكابوس وزادت معدلات وزنهم وسويتهم في الصف، كذلك يزول الأذى عن المخالطين في العمل الذين كانوا يعانون ولا حول لهم ولا قوة، وفوائد أخرى كثيرة لا مجال لسردها كلها هنا.
المصدر: كتاب التدخين.. هاجس العصر
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق