• ١٩ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٧ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

شهر مراقبة النفس

عمار كاظم

شهر مراقبة النفس
شهر رمضان.. شهر لتزويد الصائم بالروحيات ولتخليصه من الانجذاب لشهواته وتعويده على السيطرة عليها أو تركها متى ما لزمت الضرورة. وهو يعني الحرية، والحرية ليست كما يصورها البعض على شكل انفلات، إنما هي الحرية التي تدعو صاحبها لتحمل مسؤوليته. وشهر رمضان يعتبر من أفضل البرامج التي تخلق في الإنسان هذه الحرية وذلك عبر  تنمية الإرادة، والإرادة لا تنمو إلا حينما يقرر الشخص أن يعمل عملاً أو يترك اخر ثم يستمر في هذا القرار. وشهر رمضان هذا الشهر الذي يقرر فيه الصائم الكف عن المفطرات واجتناب المحرمات طيلة شهر كامل لهو مدة كافية لأن يمرن الفرد فيها نفسه على ترك المحرّمات نهائياً. شهر رمضان يجعل الصائم على أن يكون هو بنفسه رقيباً على ذاته، محاسباً لنفسه على أعماله. يقول الإمام الكاظم (ع): "ليس منّا مَن لم يحاسب نفسه في كلّ يوم فإن عمل حسناً استزاد الله تعالى وإن عمل سيئاً استغفر الله وتاب إليه". إنّ الإمام عليّ (ع) يعتبر عملية محاسبة المؤمن لنفسه مظهر من المظاهر الأساسية في شخصيته، كما انّ الأدعية هي برامج لتربية النفس وتزكيتها، وتقويم سلوكها في الحياة. وهي السبل الرشيدة والطرق الصالحة التي لا يضل من يسير فيها ولا يتيه من يتحرك وسطها لأنّها تضع العبد في موقف المقوم لنفسه الناقد لها أمام ربها وخالقها. فكان لابدّ إذن لتزكية النفس من مراقبتها والإشراف عليها أوّلاً في فكرها وهمها وقولها وفعلها ومن ثمّ محاسبتها ومراجعتها على ذلك وتقويمها. إنّ العبد عندما يحاسب نفسه بعد العمل يجب أن يعيش حالة التقصير في مقام طاعته لمولاه وربه، لأنّ العبد مهما بلغ شكره لله تعالى فلن يبلغ حدّ الطاعة الكامل ويحقق تمام العبودية والإخلاص، فشعور الإنسان الدائم بالتقصير عند محاسبته لنفسه ومراجعته لعملها عامل مهم في استمرار نمو الإنسان وتحركه نحو الله تعالى.. شهر رمضان أيضاً يعمق في الإنسان صفة التقوى، فهو بالإضافة إلى الصيام الواجب الذي يتجلى فيه البعد عن الشهوات والتزام المسلم بدينه، نجد التوجيهات الدينية التي تدعو الفرد المسلم إلى العبادة وتؤكد فعلها في هذا الشهر بالخصوص. التقوى هي غاية للصوم أو نتيجة له، نظراً لما يثيره في داخل الإنسان من الرقابة الذاتية الداخلية التي تمنعه من ممارسة كثير من الأشياء المعتادة له من شهواته ومطاعمه ومشاربه، إنطلاقاً من وعيه التام للإشراف الإلهي عليه في كل صغيرة وكبيرة. وهذا ما تعبر عنه مفردة "التقوى" بما تمثله من الإنضباط أمام ما يريده الله منه وما لا يريده، وذلك بأن لا يفقده الله حيث يريده ولا يجده حيث ينهاه. وبذلك يكون هذا الصوم الصغير مقدمة للصوم الكبير، وذلك يتوافق مع ما ورد به الحديث الشريف: "رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظّه من قيامه السهر.."، فيمن لا يمنعه صومه من الممارسات المحرمة الأخرى في شهر رمضان وفي غيره. قال رسول الله (ص) في بيان فضل هذا الشهر: "شهره أبرك الشهور وأيامه أفضل الأيام ولياليه أفضل الليالي وساعاته أفضل الساعات" ويقول عن العبادة والعمل فيه: "من حسن في هذا الشهر خلقه كان له جواز الصراط يوم تزل الأقدام ومن كف فيه شره كف الله عنه غضبه يوم يلقاه ومن تطوع فيه بصلاة كتب له براءة من النار". وتتأكد في شهر رمضان أعمال معينة مثل: قراءة القرآن "من تلا فيه آية كان له أجر من ختم القرآن في غيره"، والدعاء بالمأثور "ودعاؤكم فيه مستجاب" فاسئلوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة، وأيضاً صلة الرحم والتكافل الاجتماعي "من وصل فيه رحمه وصله الله يوم يلقاه" ومنها حضور مجالس الذكر، فهذا الشهر الكريم تكثر فيه المناسبات الدينية ففيه معركة بدر وليلة القدر المباركة ثمّ يتوج في نهايته بالعيد.

ارسال التعليق

Top