إنّ الصوم في معناه، يمثّل حالة سلبية تحمل في داخلها معنى إيجابياً، لأنّ السَّلب عندما يكون مسؤولية، فإنّ إرادتك في حركة السَّلب تمثّل حالةً إيجابية، فأنت تريد أن لا تأكل وأن لا تشرب وأن لا تتلذَّذ، ولذلك هو ليس سلبيّة طبيعية بعيدة عن إنسانية إرادتك، بل هي حركة في الإرادة بأن ترفض ما لا يريده الله منك.. ومن هنا، نستطيع أن نقول: كما أنّ الصلاة تدفعك إلى أن تؤصّل الرفض في نفسك للفحشاء والمنكر، فإنّ الصوم يدفعك إلى أن تحرّك إرادتك في رفض كلّ ما لا يريده الله سبحانه وتعالى.
وبذلك، كان الصوم حركةً في الإنسان من خلال هذا الخضوع الإرادي لله سبحانه وتعالى، وكان عبادة صامتة لا يتحرك فيها شيء من جسدك ولا ينطلق أي تعبير من لسانك، فدور الصوم هو في أنّه يبقى في عمق إرادتك وفي عمق إحساسك وشعورك، وذلك بأن تكون بالصوم الإنسان الرافض، فالصوم هو حركة رفض، في الوقت الذي تتوجّه نفسك إلى القبول والرغبة في تحقيق ما تريد.
ومن هنا، فقد نعيش الصوم في هذه المفردات، وربما ننحرف في ممارستنا له، بأن نطوّق هذا الرفض في السحور وفي الفطور، بنحو لا يُحقّق شيئاً فيما نستعد له من مآكل قبل أن نصوم وبعد أن نصوم، كأنّنا نثأر من الرفض على طريقة الحيل الشرعية التي تجعل الإنسان يضعف إرادته في مقدمة الصوم وفي نهايته، فيما المطلوب من الصوم أن تكون إنساناً رافضاً لكلّ ما حرّمه الله، لأنّ هناك الصوم الصغير الذي هو مقدّمة للصوم الكبير، فإذا كان الله قد حرّم علينا أن نأكل أو نشرب أو نستمتع بما نستمتع به في هذا الوقت المعيّن، فقد أرادنا أن نصوم في كلّ عمرنا عمّا حرّمه من مآكل ومشارب ولذّات وما إلى ذلك.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق