• ١٩ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٧ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

تهرّب طفلك من تنفيذ طلبك

تهرّب طفلك من تنفيذ طلبك

سوف يقوم الأطفال بمقاومتك ورفض طلبك ومعارضتك، ومن الطبيعي أن يفعلوا ذلك لأنّه جزء من رحلة النمو الخاصة بهم، وسوف تواجهك أربعة مستويات من المعارضة، ويمثل المستوى الأوّل أقلها حدة وفيه يخبرك طفلك بعدم رغبته في فعل ما طلبت.

فيقول: "إنّني لا أريد الذهاب إلى هناك"، وقد يسألك عن سبب ما تريد منه فعله بطريقة استنكارية "لماذا أنا" و"لماذا الآن"، وفي المستوى الثاني يكون الطفل أكثر شدة، فسوف يعلن الطفل رفضه بعنف بطريقة لفظية كقوله: لن أفعل، وبطريقة غير الفظية كهز كتفه أو بتحريك يده رافضاً، وفي المستوى الثالث سيمثل الطفل دور الأصم فتنادي عليه أُمه فيسمعها جيداً قائلاً في نفسه: لن أرد، التجاهل هو الحل حتى نرى مَن ينهار أوّلاً، وفي المستوى الرابع عبارة عن انسحاب صامت مستفز ومتحدٍّ، فيقول له أبه: هيا لنصلي، فينظر له ابنه ويغادر صامتاً ولا ينفذ ما طلبه أبوه... إنّ كلّ مستوى من تلك المستويات الأربعة بحاجة إلى نقاش حول كيفية التعامل في تلك الحالات، وما هي المهارات المطلوبة لننجح في إدارة الحوار في كلّ مستوى...

في الماضي لم نكن نتوقع من الطفل سوى الطاعة... أما اليوم فنحن نتوقع من الطفل كلّ شيء إلّا الطاعة!!

 

ومن العجيب أنّك إذا لم تجد من ابنك اعتراضاً صريحاً، فقد تجد منه اعتراضاً ذكيّاً، فأطفالنا يستخدمون طرقاً أربعاً ليهربوا من طلباتنا ويجعلونا نتركهم أحراراً...

 

1- حيلة الشعور بالذنب:

فمثلاً أم هاني قالت لابنها الذي يجلس أمام التلفزيون منذ ساعتين: هاني، لقد تأخر الوقت فهيا ندخل لننام، فرد ابنها قائلاً: يا ماما، أنا طوال النهار بين المدرسة والدروس وحفظ القرآن، أنا تعبان فاتركيني أتمتع بالتلفاز ولأنام وقتما شئت، لقد حاول هاني إشعار أُمّه بالذنب وحاول أن يشعرها كم هو مسكين لتتعاطف معه وتتراجع عن طلبها، ولأنّ كلمات هاني أصابت أُمّه في مقتل، فقد تركته يستمتع بالتلفاز قائلة: إنّه طفل مسكين وكم هو مظلوم فليس هناك ما يمنع من تركه يستمتع بعض الشيء، ونسيت بعاطفتها أنّ من مصلحة هذا الطفل – المسكين – أن يأخذ قسطاً وافراً من النوم، وأنّه مهما جلس أمام أفلام الكرتون فلن يشبع، وأنّه مهما كان متعباً في الحياة فعليه أن يخلد للنوم، وفي هدوء نفكر: هل هو حقّاً بحاجة للتعاطف؟ وكيف نساعده دون أن نضره؟!

 

2- حيلة الانتحاب والبكاء:

وسوفك يشغلك الطفل في هذه الحيلة بأحباله الصوتية، فهذه أم خالد طلب منها طفلها الحبيب عصيراً مُثلجاً، لكنّها رفضت لأنّ العصائر المثلجة في هذا الجو البارد تصيب حلقه بالتهاب، لكنّ خالداً بدأ يستعرض عضلاته الصوتية وأخذ في البكاء والنحيب، ومع مرور الوقت استجابت أُمّه لأنّ بكاءه أصابها بالصداع ولأنّها لا تتحمل بكاءه، وهكذا علمته مبدأً خطيراً وقاعدة رهيبة وهي "إبك تربح أكثر"، فإذا كنت لا تريد الانتحاب في منزلك فعليك أن تتجنب هذه الحيلة...

 

3- حيلة المماطلة:

وفي هذه الحيلة يقوم طفلك الذي يبلغ من العمر 7 سنوات باستخدام استراتيجيات التفاوض التي تتبعها لجنة حفظ السلام في الأمم المتحدة؛ وذلك حتى يهرب من طلبك وينفذ ما يريد، فعلى سبيل المثال: يمكنك أن تظل نصف ساعة تقول لطفلك أوقف اللعب وابدأ في عمل الواجب، ويكون رد الطفل هو "دور واحد في اللعبة وبعدها أبدأ في عمل الواجب"، ولا ينتهي هذا الدور أبداً، ويسقط كثير من الآباء في هذه الحيلة، فالطفل يطلب دوراً واحداً، وتوافق أُمّه، وهذا لا ضير فيه بل إنّه جيد، لكنّها تذهب وتنسى ويلعب خمس دقائق، ثم تقول له قم، فيرد: دور واحد فقط، وهنا تتركه أُمّه ومن هنا يأتي الخطر، فيتعلم أنّ المساومة طريقه في الحياة مع والديه وعدم الوفاء بالوعد يحقق كثيراً من الخيرات، إنّ غرس مهارة التفاوض في نفوس أطفالنا رائع، شريطة الوفاء بالوعود والعهود... ولقد ضرب لنا القرآن الكريم مثالاً رائعاً على المماطلة في قصة البقرة، قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ) (البقرة/ 67-71)، وفي القصة نرى الطريقة الصائبة في التعامل مع المماطلين، فلقد مزج سيدنا موسى (ع) في علاجه بين الصبر واللين والحزم والدقة والهدوء، وهذا ما نحتاجه عندما يماطلنا الأحباب...

 

الخبير التربوي: عبد الله عبد المعطي

المصدر: كتاب أطفالنا كيف يسمعون كلامنا؟

ارسال التعليق

Top