الزكاة لها أثر ومردود فردي واجتماعي، فقد جعل الله فيها تطهيراً لنفس الإنسان بعدم الإنشداد إلى المال والحرص المطلق عليه، والذي يجرّه إلى حبّ الدُّنيا وزينتها والتهالك عليها، فالمال ينبغي أن يكون وسيلة للعيش السليم وللوصول إلى رضوان الله، لا أن يكون وسيلة للطغيان والظلم أو للتعالي والتكبّر والترفع عن المستضعفين والفقراء، أو أن يكون مادة للإثراء الفاحش والاستغلال السياسي والاقتصادي، فإنّ الإنسان إذا استحكم حبّ المال على قلبه فإنّه يكون عبداً للشيطان ليسلك به طريق البخل والتفريط بحقوق الله وعباده والوقوع في المعاصي والآثام. ولهذا كان النداء الربّاني لنبيّه بالأمر في أخذ الصدقات والزكاة من المؤمنين وليس التماساً أو توسّلاً بهم لدفع الأموال والحقوق الشرعية، قال تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (التوبة/ 103). لأنّ في الصدقات والزكاة فوائد للإنسان ذاته أكثر من غيره حيث يستطيع فيها أن يحقق المكاسب التالية التي تناولتها الآيات والروايات الشريفة:
- النجاة في الآخرة: فجميع ما أمر الله به أوجبه على عباده تعتبر فروضاً يستحق فاعلها دخول الجنّة، وبالعكس يستحق المتخلّف عنها دخول النار لعصيانه وامتناعه عن طاعة أمر الله، فمن يؤدي الزكاة التي أمر بها الله فإنّه يكون قد مهّد لنفسه الطريق لدخول الجنّة من أبوابها الواسعة ما لم تكن معاصيه تغلب أعماله الصالحة. عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «الزّكاة قنطَرَةُ الإسلام، فَمَن أدّاها جازَ القَنطَرةَ، ومن مَنَعَها احتَبَسَ دُونها، وهي تُطفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ». وعن الإمام الرضا (علیه السلام) قال: «إنّ الله عزّوجلّ أمر بثلاثةٍ مقرونٍ بها ثلاثةٌ أخرى، أمر بالصلاة والزكاة، فمن صلّى ولم يُزَكِّ لم تُقبَلْ منه صلاتُهُ». وعن الإمام الصادق (علیه السلام) قال: «لا صلاة لمن لا زكاةَ له، ولا زكاة لمن لا وَرَعَ له». ولهذا فقد أقترنت الزكاة بالصلاة في كثير من الآيات كما في قوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) فبإعطاء الزكاة إنّما تحظى الصلاة بالقبول ويكون لصاحبها المثوبة فيها وإلّا تبقى معلّقة حتى يستوفى من صاحبها زكاته.
- التوفيق إلى الصالحات والمبرّات: من المعلوم إنّ كلّ عمل صالح يؤدّي إلى رضوان الله ويكون باعثاً لِلُطفه وإحسانه، والزكاة بما ورد فيها من آيات وروايات تدلّ على أنّها جعلت سبباً للوصول إلى ألطاف الله وفضله على عبده، حيث يتوفق الإنسان بسببها إلى مزيد من الهدى والخير الدنيوي وإلى الثواب العظيم الأخروي والذي يفوق ثواب الدنيا بأضعاف مضاعفة. قال تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لأنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (البقرة/ 110). (وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لأنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا) (المزمل/ 20). فالزكاة تعتبر توفيقاً يفتح أبواباً أخرى من الفضل والرحمة الإلهية.
- الزيادة في المال والثروات: وهو وعد الله المعجّل لعباده الذين يؤتون الزكاة وينفقون المال ابتغاء فضله ورضوانه، وخاصة إذا ذهبت تلك الأموال إلى المساكين والمستضعفين والمغلوبين على أمرهم، فإنّ الله يبدلهم عمّا أنفقوه بزيادة في الدُّنيا وأضعافها من الأجر والمثوبة في الآخرة، والأحاديث في ذلك صريحة. عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «إذا أردت أن يُثري اللهُ مالَكَ فزَكِّهِ». وعن الإمام الحسن (علیه السلام) قال: «ما نَقَصَتْ زكاةٌ من مالٍ قَطُّ» (أي إنّ الله يعوّض المتصدّق والمزكّي لماله في الدُّنيا قبل الآخرة(. وعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: «الزَّكاة تزيدُ في الرِّزق». ولعلّ كلّ من أعطى الزكاة والحقوق الشرعية وأنفق بعضاً من ماله في سبيل الله، فإنّه وجد بركة ذلك في زيادة أمواله أو زيادة الخير والبركات والعطاء الإلهي الدنيوي بما فيه من معنى واسع من معاني الرزق والهبات الإلهية المتنوعة وما يعقبه في الآخرة هو أعظم وأكبر من العطاء الدنيوي، بل لا يوجد ثمة مقارنة بينهما.
- الحصانة والحفظ الإلهي للأموال: وهو من المسلّمات الإسلامية إنّ الصدقة والزكاة والإنفاق في سبيل الله مما يدفع المكاره والبلاء عن صاحبها، فكم من بلاء أوشك أن يصيب المنفق لولا إنفاقه وصدقاته، وكم من مكروه أوشك أو يتعرّض له العبد لولا أن دفعه الله برحمته وفضله بسبب إنفاقه المال لوجه الله أو بسبب أدائه للحقوق الشرعية، وفي الأحاديث التالية ما يوضّح هذه الحقيقة: عن أمير المؤمنين (علیه السلام) قال: «حَصِّنوا أموالكم بالزَّكاة» (أي إنّ الزكاة تمنع من ضياع المال وتلفه). وعن الإمام الصادق (علیه السلام) قال: «ما ضاعَ مالٌ في بَرٍّ ولا بَحرٍ إلّا بتضييع الزَّكاة، فحصِّنوا أموالكم بالزّكاة». بل إنّ الامتناع عن الزكاة عندما يصبح سائداً في المجتمع فإنّ الله سبحانه وتعالى يبتليهم بالعقوبات الجماعية والبلاء العام التي تكون نتيجة لعصيانهم وتجاوزهم على حرمات الله. عن الإمام الباقر (علیه السلام) قال: «وجدنا في كتاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)... إذا منعوا الزكاة منعت الأرضُ بركتها من الزرع والثمار والمعادن كلِّها». وفي حديث آخر قال (علیه السلام): «ما نَقَضَتْ زكاةٌ من مالٍ قَطُّ، ولا هَلَكَ مالٌ في بَرٍّ أو بَحرٍ أُدِّيَت زكاتُهُ». ولهذا ينبغي على المؤمن الواعي عند أداء الزكاة أن يؤدّيها بفرح وسرور ورضا لما فيها من بركات وخيرات ملحوظة في الدنيا ومذخورة في الآخرة. عن أمير المؤمنين (علیه السلام) قال: «إنّ الزّكاة جُعِلَتْ مع الصَّلاة قُرباناً لأهل الإسلام، فمن أعطاها طيِّب النفس بها، فإنّها تُجعل له كفّارةً، ومن النار حجاباً ووقايةً، فلا يُتبِعَنَّها أحدٌ نفسهُ (أي يتأسّف على ذهاب المال منه)، ولا يُكثِرَنّ عليها لهفه، فإنّ من أعطاها غير طيِّب النفس بها يرجو بها ما هو أفضلُ منها (أي يرجو بمال الزكاة تحصيل بعض مغانم الحياة)، فهو جاهِلٌ بالسُّنّة، مغبون الأجر، ضالُّ العمل، طويل النَّدَم». إذ إنّه يخسر بعدم إعطائه مال الزكاة أضعاف ذلك المال رغماً عنه بما يصيبه من البلاء والأذى والذي كان سيدفعه الله عنه لو أنّه أدّى المفترض عليه. أمّا على الصعيد الاجتماعي فإنّ الزكاة هي وسيلة لمساعدة الفقراء، والمعوزين والمحتاجين، والمعونة لهم في أمور حياتهم ودينهم، وإشعارٌ للإنسان بإنسانيته، وبحقوق المسلمين عليه، وبأنّه جزء منهم. فما يصيب المجتمع من خير فإنّه ينعكس عليه بالرفاهية والاستقرار والأمن، كما ينعكس على المجتمع بالبركات ويحول دون التفاوت الطبقي الفاحش، الذي يسبّب المشاكل والعُقد الاجتماعية، وما ينشأ عن ذلك من الجرائم والسرقات والإخلال بأمن المجتمع واستقراره. عن الإمام الصادق (علیه السلام) قال: «إنّما وُضِعَت الزّكاة اختباراً للأغنياء، ومعونةً للفقراء، ولو أنّ الناس أدَّوا زكاةَ أموالهم ما بقي مسلمٌ فقيراً مُحتاجاً، ولَاسْتَغنى بما فَرَضَ اللهُ عزّوجلّ لَهُ، وإنّ الناسَ ما افتقرُوا، ولا احتاجُوا، ولا جاعُوا، ولا عَرُوا إلّا بذنوب الأغنياء».
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق