• ١٩ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٧ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

المكافأة وأثرها السحري على الطفل

المكافأة وأثرها السحري على الطفل

يقول تعالى: (هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ) (الرحمن/ 60).

وقال الرسول الأكرم (ص): "أكرموا أولادكم وحسنوا آدابهم يغفر لكم".

لا يختلف اثنان في أن "مكافأة المحسن" هي من الأمور التي يوافقها العقل وترتضيها الفطرة البشرية بل إنها من العهود التي ألزم الله تعالى نفسه بها واعتبرها من دلائل الحكمة والمنطق.

لكن السؤال المطروح هو؛ هل إن جميع البشر يعملون بالحكمة والمنطق وبالتالي فإن جميع تصرفاتهم توافق العقل وترتضيها الفطرة؟

إنّ الهدف الذي يصبو إليه كافة البشر هو تحقيق الكمال والسمو والرفعة وبالتالي جعل تصرفاتهم تتناسب مع الحكمة والمنطق، لكن المشكلة التي يواجهها هؤلاء البشر في الغالب هي صعوبة التمييز بين الخير والشر، والفضيلة والرذيلة، والصواب والخطأ، لهذا فهم كثيراً ما يخلطون بين هذه الأمور، وهنا يأتي دور الشيطان الذي يستغل هذه الحالة أبشع استغلال ويستعملها  كوسيلة لتضليل البشر وهي الوسيلة التي وصفها القرآن الكريم بـ"التزيين".

وليس الطفل بعيداً عن القواعد العقلية ومتطلبات الفطرة البشرية، لأنّه يحملها معه أثناء ولادته وخروجه إلى الحياة بل قد تكون خطوطها أكثر وضوحاً في داخله من غيره من البشر لأنها لا تزال بيضاء سليمة لم تلوثها الحياة ومشاكلها بعد، وهو ما يمكن ملاحظته من خلال ردة الفعل التي تصدر عنه عندما يواجه حدثاً غير عقلي، فالطفل قد لا يجد أي تفسير لمقابلة حالة الإحسان بالإساءة، إلا أنّ الراشد قد يسوق لها عشرات الذرائع والمبرارات.

لهذا فمن المهم جدّاً أن يقابل السلوك الحسن الذي يصدر عن الطفل بإحسان آخر أو ما يعبر عنه بـ"المكافأة" وذلك لتعزيز القيم الفطرية والعقلية التي يحملها في داخله أوّلاً، وجعله يميز بين الفعل الحسن والقبيح من خلال هذا السلوك الذي تم مكافأته عليه ثانياً.

 

شرط المكافأة:

إنّ المكافأة قد تفقد أثرها وقيمتها الحقيقية والمرجوة لو لم تأت في إطارها الصحيح، وهناك شرط أساسي لمكافأة السلوك الجيد الذي يصدر عن الطفل وهو أن تكون المكافأة سريعة دون تأجيل أو تسويف.

يقول أحد علماء التربية في هذا المجال: "الإثابة منهج تربوي أساسي في تسييس الطفل والسيطرة على سلوكه وتطويره وهي أيضاً أداة هامة في خلق الحماس ورفع المعنويات وتنمية الثقة بالذات حتى عند الكبار أيضاً لأنها تعكس معنى القبول الاجتماعي الذي هو جزء من الصحة النفسية، والطفل الذي يُثاب على سلوكه الجيد المقبول يتشجع على تكرار هذا السلوك مستقبلاً. ومثال ذلك: في فترة تدرب الطفل على تنظيم عملية الإخراج (البول والبراز) عندما يلتزم الطفل بالتبول في المكان المخصص؛ على الأم أن تبادر فوراً إلى تعزيز ومكافأة هذا السلوك الجيد إما عاطفياً وكلامياً (بالتقبيل والمدح والتشجيع) أو بإعطائه قطعة حلوى.. نفس الشيء ينطبق على الطفل الذي يتبول في فراشه ليلاً حيث يكافأة عن كلّ ليلة جافة".

 

أنواع المكافآت:

أما أنواع المكافآت فليس هناك أي حدود للمكافئة لكن المهم في هذه المكافئة هو أن تترك أثراً على الطفل يعزز فيه سلوكه الحسن، ويجب هنا أن لا يستهان ببعض المكافآت المعنوية والتي قد تترك أثراً  كبيراً على الطفل لا يمكن للمكافأة المادية أن تتركه، كما لابدّ من التذكير بخصوص المبالغة في المكافأة إذ من الضروري مراعاة حدود المعقول في هذا الإطار لأنّ المبالغة في المكافأة قد تفسد الطفل وتسبب له نتائج عكسية.

لكن هناك إطاران أساسيان للمكافأة هما:

1-    المكافأة الاجتماعية: هذا النوع على درجة كبيرة من الفعالية في تعزيز السلوك التكيفي المقبول والمرغوب عند الصغار والكبار معاً.

 

ما المقصود بالمكافأة الاجتماعية؟

المقصود هو: الابتسامة – التقبيل – المعانقة – الربت – المديح – الاهتمام – إيماءات الوجه المعبرة عن الرضا والاستحسان والعناق والمديح والتقبيل؛ كلّ تلك تعبيرات عاطفية سهلة التنفيذ والأطفال عادة ميالون لهذا النوع من الإثابة.

يقول أحد خبراء التربية في هذا المجال: "قد يبخل بعض الآباء بإبداء الانتباه والمديح لسلوكيات جيدة أظهرها أولادهم إما لانشغالهم حيث لا وقت لديهم للإنتباه إلى سلوكيات أطفالهم أو لاعتقادهم الخاطئ أن على أولادهم إظهار السلوك المهذب دون حاجة إلى إثابته أو مكافأته".

ويشير هذا الخبير التربوي إلى مثالين في هذا الصدد فيقول: "الطفلة التي رغبت في مساعدة والدتها في بعض شؤون المنزل كترتيب غرفة النوم مثلاّ ولم تجد أي إثابة من الأُم فإنها تلقائياً لن تكون متحمسة لتكرار هذه المساعدة في المستقبل وبما أن هدفنا هو جعل السلوك السليم يتكرر مستقبلاّ فمن المهم إثابة السلوك ذاته وليس الطفل.

والطفلة التي رتبت غرفة النوم ونظفتها يمكن إثابة سلوكها من قبل الأُم بالقول التالي: (تبدو الغرفة جميلة. وترتيبك لها وتنظيفها عمل رائع أفتخر به يا ابنتي الحبيبة).. هذا القول له وقع أكبر في نفسية البنت من أن نقول لها (أنت بنت شاطرة)".

2-    المكافأة المادية: دلت الإحصاءات على أنّ الإثابة الاجتماعية تأتي في المرتبة الأولى في تعزيز السلوك المرغوب بينما تأتي المكافأة المادية في المرتبة الثانية، ولكن هناك أطفال يفضلون المكافأة المادية.

 

ما المقصود بالمكافأة المادية؟

إعطاء قطعة حلوى – شراء لعبة – إعطاء نقود – إشراك الطفلة في إعداد الحلوى مع والدتها تعبيرا عن شكرها لها – السماح للطفل بمشاهدة التلفاز لوقت أكثر – اللعب بالكرة مع الوالد – اصطحاب الطفل للذهاب إلى المسجد أو إلى رحلة ترفيهية كالذهاب إلى حديقة الحيوان مثلاً.

 

ملاحظات هامّة:

1-    يجب تنفيذ المكافأة تنفيذاً عاجلاً بلا تردد ولا تأخير وذلك مباشرة بعد إظهار السلوك المرغوب فالتعجيل بإعطاء المكافأة هو مطلب شائع في السلوك الإنساني سواء للكبار أو الصغار.

2-    على الأهل الامتناع عن إعطاء المكافأة لسلوك مشروط من قبل الطفل (أي أن يشترط الطفل إعطاءه المكافأة قبل تنفيذ السلوك المطلوب منه) فالمكافأة يجب أن تأتي بعد تنفيذ السلوك المطلوب وليس قبله.

3-    عدم مكافأة السلوك السيئ مكافأة عارضة أو بصورة غير مباشرة. حيث يؤكد أحد خبراء التربية في هذا المجال قائلاً: "السلوك غير المرغوب الذي يكافأ حتى ولو بصورة عارضة وبمحض الصدفة من شانه أن يتعزز ويتكرر مستقبلاً (مثال) الأُم التي تساهلت مع ابنتها في ذهابها إلى النوم في وقت محدد بحجة عدم رغبة البنت في النوم ثمّ رضخت الأم لطلبها بعد أن بكت البنت متذرعة بعدم قدرتها على تحمل بكاء وصراخ ابنتها، وسيُعلِّم هذا السلوك الفتاة أن في مقدورها اللجوء إلى البكاء مستقبلاً لتلبية رغباتها وإجبار أمها على الرضوخ. (مثال آخر) إغفال الوالدين للموعد المحدد لنوم الطفل وتركه مع التليفزيون هو مكافأة وتعزيز غير مباشر من جانب الوالدين لسلوك غير مستحب يؤدي إلى صراع بين الطفل وأهله إذا أجبروه بعد ذلك على النوم في وقت محدد".

 

المصدر: كتاب فنُّ تربية الطفل للكاتب السيد أحمد باقر القزويني

ارسال التعليق

Top