• ١٩ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٧ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

العلاج النفسي في محيط الأسرة

العلاج النفسي في محيط الأسرة

يمثل العلاج النفسي داخل الأسرة تطوراً هاماً وتقدّماً عظيماً؛ فبدلاً من علاج الفرد عن طريق التحليل النفسي لشخصيته تتم مراقبة تصرفاته في إطار علاقاته المختلفة مع أفراد أسرته حتى يمكن التدخل لتغييرها وصولاً إلى العلاج المضمون. وتحتاج مزاولة هذا النوع من العلاج النفسي إلى اثنين من المعالجين واثنين آخرين يجلسان خلف مرآة شفافة.

ويتم التدريب على هذا النوع المتطور من العلاج في مراكز خاصة مجهزة جيداً وبها جميع الإمكانيات لإنجاح مثل هذا التدريب في مجال العلاج النفسي العائلي، كما يتم تدريب الأفراد الراغبين في هذا العلاج على عدة نقاط أساسية منها:

أن يطلب من الفرد المتدرب أن يختار شخصاً من الموجودين بالمركز يشبه أحد أفراد أسرته أو يختلف عنه بعض الشيء.

يطالب المتدرب بأن يعبر عن أحاسيسه إن كانت سلباً أو إيجاباً، ويلاحظ هنا أنّه كلما كان الشخصان متجانسين ازداد التفاهم بينهما.

وفي نهاية هذا التدريب يدرك المتدرب أهمية حياته الماضية داخل أسرته، وإلى أي مدى أثرت تلك الحياة على سلوكه. ثم يأتي المدرب، ويشرح للأفراد المحاور الثلاثة التي تستند إليها هذه الممارسة، وهي: فكرة التدريب، وتفسير حالات الأسر الراغبة في الاسترشاد، وأبحاث خاصة بأسر الأفراد المتدربين.

ويتم الشرح باستخدام أجهزة الفيديو التي سجل عليها حالات أسرية خاصة حيث يفسّر المدرب أنواع التفاعلات التي تظهر بين أفراد الأسرة الواحدة مؤكداً على دور المعالج في خلق المواقف الجديدة لتعديل سلوك الأفراد داخل الأسرة. وأهمية الفيديو هنا أنّه يستعرض الموقف أكثر من مرة لاكتشاف تفاصيله الدقيقة، والتي تكون قد مرت دون الالتفات إليها. وبالإضافة إلى الفيديو كان يسمح للمتدربين بحضور جلسات الاستشارات الأسرية من خلف مرآة شفافة (تسمح لنا برؤية من خلفها دون أن يرانا).

ويستفيد المتدرب كثيراً في مجال العلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة ليس فقط فيما يخص حركات الأفراد ومواقفهم، بل أيضاً فيما يتعلق بطريقة كلامهم.

وتكمن العملية التعليمية في أن يفهم المتدرب سلوك الأفراد في مواقف معينة؛ فيعرف مثلاً: مَن المتكلم، ومَن المستمع، ومَن الذي يقاطع الحديث، ومَن يبدأ الإجابة، ومتى يصمت ويضحك، ومتى يبكي الفرد ولماذا...

وأهم ما يخرج به المتدرب من خلال هذه الجلسات تلك الأهمية العظمى لربط اللغة المنطوقة بحركات الجسم، بمعنى أنّ القول المنعزل عن الحركة المصاحبة ليس بذي معنى. فالحركة تكسب الأقوال شيئاً من معناها وتبيّن المراد منها، كما يدرك أنّ عمله في مجال العلاج النفسي وسط الأسرة يقترب كثيراً من الاتجاه التربوي بقدر ما يبتعد عن النزعة الرامية إلى ترك الأفراد يتحركون بلا توجيه أو إرشاد مع مراعاة عدم فرض أسلوب معين على سلوكهم.

والمدرب يركز كثيراً على أهمية تثبيت هذا المفهوم في نفوس الأفراد بأن يقول لهم دائماً: على كلّ منكم أن يؤدي دوره الإيجابي مع احترامه لحرّية كلّ فرد في الأسرة.

 

توازن مفقود:

يقوم الدارسون بمعرفة الاتجاهات التربوية الحديثة في مجال توازن الأفراد الذي يصعب تحقيقه. وهناك ثلاث مدارس ينبغي على المتعلم الإلمام بفكرة قيامها.

الأولى: المدرسة التي تستند على فكرة التواصل والتخاطب بين الأفراد.

الثانية: المدرسة البنائية، وتعتمد على الهيكل البنائي للأسرة.

الثالثة: المدرسة التي تستند على الاتجاه النفسي للديناميكية "ديناميكية الجماعة".

 

كيفية عمل تلك المدارس:

فالمدرسة التي تستند على فكرة التواصل والتفاهم بين الأفراد تسعى لتحقيق تفاهم واتصال أكثر بينهم في الحال وبلا تأخير وتدور الجلسات كما يلي:

يطلب من الزوجين المتنازعين مثلاً: أن يجلسا في اتجاهين متقابلين، ويطلب من الزوج أن يغمض عينيه، ثم يطلب من الزوجة أن تقص ما يغضبها من زوجها والزوج منصت. ويتدخل المعالج حينئذ طالباً من الزوجة أن توجه حديثها إلى زوجها وليس إليه. وفي هذه الحالة يحدث تغيير جذري، وتتغير لهجة الزوجة من الغلظة والحدة إلى اللين واللطف لأنّها تحادث زوجها الأمر الذي يخرج الزوج عن صمته ويرد على اتهام زوجته.. وهنا يتحقق المراد، ألا وهو إيجاد لغة التواصل والتفاهم التي انعدمت لفترة ما.

ويقوم أساس المدرسة البنائية على البناء الأسري، ويتم العمل فيها كما يلي:

فمثلاً تحضر أم ومعها طفلاها المشاكسان الشقيان ثم يطلب المراقب – من خلف المرآة الشفافة – من المعالج أن تأمر المرأة طفليها – بلهجة حادة – أن يجلسا. وعندما تجد المرأة نفسها محاطة بمساعدة خارجية وتطلب من طفليها الجلوس، سرعان ما ينصاع الطفلان لأوامرها. وبهذا تعود الأمور لمجراها الطبيعي، فتستعيد الأُم مكانتها ويعود الطفلان للوضع الطبيعي في البناء الأسري كأطفال يجب عليهم الطاعة.

أما بالنسبة للمدرسة التي تقوم على فكرة ديناميكية فتعتمد أساساً على الأسباب القديمة للصراع بين الأفراد وعلى أعراض المشكلة. وعلى المعالج في هذه الحالة أن يرجع إلى الدوافع التي تسيطر على علاقات الأفراد، وأساس هذه المدرسة الفكرة القائلة "إنّ أي فرد يشبه في تصرفاته سلوك والديه إلى حد بعيد". وثمرة مثل هذه البرامج الدراسية ومتابعتها هو: تعديل فكر الأفراد وتصحيح مفهومهم عن الأسرة.

 

المصدر: مجلة طبِّب نفسك

ارسال التعليق

Top