كانت فاطمة الزهراء (عليها السلام) تحمل علماً جمّاً، ولو امتدّت بها الحياة، لرأى المسلمون منها الكثير والكثير مما تفيض به من علومها التي أخذتها عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لأنَّها كانت في حياتها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تغرف من بحر علمه، وتتحرّك في خطِّ أخلاقه، وتعيش آفاق روحانيّته، ولهذا، كانت بضعةً منه: «فاطمة بضعة مني»، فعقلها بضعةٌ من عقله، وقلبها بضعةٌ من قلبه، وطاقاتها بضعةٌ من طاقاته، وروحانيّتها بضعةٌ من روحانيته، فليست كلمة "بضعة مني" تعني مجرّد أنَّها ابنته، ولذلك قال: «يؤذيني ما آذاها، ويريبني ما يريبها، ويبسطني ما يبسطها»، لأنَّها كانت منه بمنزلة الروح من الجسد، كانت شيئاً منه بكلِّ ما تعنيه ذاته المقدّسة.
إنّ الإنسان يمثّل طاقةً واسعةً متنوّعة، يمكن له أن يتحرك من خلال عدة أبعاد في الحياة، فلا يحصر نفسه في بعد واحد، فيمكن أن تكون أنت، أو تكوني أنتِ، يمكن أن نكون شخصيةً تتحرك في أكثر من بُعد، لأنّ تنوع طاقاتنا، يفرض علينا تنوّع عطاءاتنا وأبعادنا في الحياة.
إنّ التحدّث عن فاطمة الزهراء (عليها السلام) القدوة، يعني التحدث عن الروح عندما يسمو، وعن الإنسان عندما يتحمّل المسؤولية، في الدائرة الصغيرة وفي الدائرة الكبيرة، ويخلص للمسؤولية هناك، لا تشغله الدائرة الصغيرة عن الدائرة الكبيرة، ولا تجعله الدائرة الكبيرة يفكّر بتفاهة الدائرة الصغيرة، لأنّ الحياة في داوئرها الصغيرة والكبيرة تتكامل، ولأنّ هذه هي طبيعة الوجود، صغارٌ ينفتحون على كبار، وكبار ينفتحون على صغار، القضايا الصغيرة هي الأساس للقضايا الكبيرة، والقضايا الكبيرة هي التي ترعى القضايا الصغيرة. لذلك ليست القضية قضية الزهراء القدوة والمرأة الكاملة، إنّما هي قصة الزهراء القدوة والإنسان الكامل. إنّنا نتصوّر المرأة في إنسانيتها، كما نتصوّر الرجل في إنسانيته، والأنوثة والذكورة حالة في الجسد من خلال التنوع الإنساني، ولكنّ الإنسانية حالة في العقل، وفي القلب، وفي الروح.
وعندما نريد أن نثير ذكرى السيِّدة الزّهراء (عليها السلام)، سواء في مولدها أو في وفاتها، فإنّ العبرة من هذا الدرس، هي أن تتحرّك المرأة المسلمة من أجل أن تكون المرأة التي ترتفع بروحانيّتها إلى الله، وتعبد الله، وتعيش إنسانيّتها بالتفكير في الآخرين قبل التفكير في نفسها، وتعيش ثقافة الإسلام وثقافة الواقع السياسي، وتتحرّك بحسب ظروفها لتدخل الواقع الإسلامي الذي يواجه التحدّيات، سواء كانت ثقافية لتقدّم ثقافتها في وجه هذه التحدّيات، أو اجتماعية لتقدّم خبرتها الاجتماعية في خطّ المواجهة، أو سياسية لتقدّم وعيها وثقافتها لمواجهة التحدّيات السياسية في ذلك، فالمرأة إنسان كما هو الرجل.
نتعلّم من خلال فاطمة الزهراء (عليها السلام) التي عاشت كلّ وقتها، وصرفت كلّ جهدها، وعاشت كلّ دورها، وانفتحت على ربّها، وعلى الإسلام، وعلى الرسالة، وعلى حياتها الخاصّة، ولم تدع جانباً يطغى على جانب.. نتعلّم كيف نكون قريبين إلى الله.. وكيف نكون منفتحين عليه.. وكيف نجعل حياتنا في خدمة الله وفي خدمة الإسلام.
إنّ الإسلام قدّم أُم المؤمنين خديجة الكـبرى (رضي الله عنها) التي دعمت النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في رسالته بكلّ ما عندها من قوّة، وقدّم السيِّدة الزّهراء (علیها السلام) لتكون مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومع زوجها وابنيها في خطّ الإسلام، وقدّم لنا السيِّدة زينب (علیها السلام) بطلة كربلاء، ليقول لنا إنّ علينا الاقتداء بهم والتمسك بأخلاقهم الفاضلة، وسلام الله على السيِّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وعلى أبيها وبعلها وبنيها.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق