• ١٩ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٧ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

التغيير سلوك الناجحين

د. صلاح عبدالقادر

التغيير سلوك الناجحين

◄عندما أفكر في التغيير أتذكّر قصة أولئك الأصدقاء الثلاثة، الذين تم تعيينهم للعمل في إحدى الشركات الكبرى في قسم خدمة العملاء، وهذا يعني بعبارة أخرى "قسم الشكاوي".

لقد كانوا حديثي التخرج، ولشدة احتياج الشركة إلى موظفين، لم توفر لهم القدر الكافي من التدريب المناسب، وإنما دُفع بهم إلى التعامل مع العملاء المتذمرين بما لديهم من إمكانيات.

وبالرغم من ذكائهم وتمتعهم بشخصية مؤثرة، إلا أنّهم لم يتمكنوا من القيام بالعمل على النحو المطلوب، فقد كانوا يعاملون العملاء معاملة الند للند، وانزلقوا إلى حالة من الفعل والفعل المضاد والرد بالمثل، يقابلون العدوانية بمثلها، واللامبالاة بلامبالاة من جانبهم، والمواقف الهجومية من العملاء، بأخرى شبيهة من ناحيتهم.

الخلاصة، أنّهم كانوا يتعاملون بسياسة رد الفعل، ويتركون للعملاء تحديد الكيفية التي سيستجيبون بها.

 

فكرة ملهمة..

بمجرد أن تبدأ التغيير، تكون قد أنجزت الجزء الأكبر من المهمة (بروس بارتون)

 

وقد انعكست هذه الطريقة على معنوياتهم وعلى مستوى أدائهم وخدمتهم، وسريعاً بدأ العمل يؤثر عليهم. ففي إحدى الليالي، توجهوا بعد العمل إلى أحد المقاهي وهم في حالة مزرية. وأثناء مناقشتهم لمقدار الإحباط الذي يواجهونه في العمل، وصعوبة التعامل مع أشخاص غير راضين دائماً بل لا يمكن إرضاؤهم، لاحظ أحدهم لوحة معلقة على الحائط، فقال للآخرين: "أنظروا إلى هذه اللوحة، لقد حاولنا كلّ شيء إلا هذه الكلمات"، وكانت اللوحة تحوي العبارة التالية:

كن ودوداً.. فكل فرد لديه معركته الطاحنة

فعزموا على أن يغيروا الطريقة التي يفكرون بها، وقرروا اتباع استراتيجية جديدة محورها إظهار الود للعملاء من خلال توقع احتياجاتهم، والعمل بجِد على خدمتهم. وبعد بضعة أيام من أدائهم العمل بهذه الطريقة الجديدة، قال أحدهم: "هل لاحظتم أننا نستقبل نوعية مختلفة من الأشخاص الآن؟!... لقد أصبحوا أكثر لطفاً وإيجابية".

 

فكرة ملهمة..

تغيير مواقفك، تغيير لحياتك (هيلن كيلر)

 

لقد تمكنوا من صناعة مناخ إيجابي حولهم أثَّر في الأفراد الذين يترددون عليهم، وغيَّروا من أساليبهم السابقة، إلى أساليب أفضل، وبالتالي تغيّر الحال بأكمله.

نعم.. هذا هو قانون الحياة، فحينما تغيِّر من طريقتك فإنك حتماً ستجد نتيجة مختلفة.

أي بمعنى أنك إذا أردت الحصول على نتيجة مختلفة، أو الخروج من حالتك التي لا ترضيك ولا تتوافق مع طموحك، فلابدّ إذا أن تفعل شيئاً مختلفاً عما تفعله الآن، وهذا ما نسميه التغيير.

فالتغيير لا غنى عنه لمن أراد ألا يعيش على هامش الحياة، أو يغدو بلا طموح أو هدف، أو يعيش بلا أحلام للمستقبل ولا عبر ودروس من الماضي والحاضر أيضاً، فالتغيير اختيار العباقرة والأفذاذ، وطريق التفوق والنجاح.

 

فكرة ملهمة..

من غير المنطقي أن تفعل نفس الشيء وبنفس الطريقة وتتوقع نتيجة مختلفة (أينشتاين)

 

أسألك: كم مرة فكّرت في أن تغيِّر حياتك وتعيد برمجتها؟ لعلك تفكر في ذلك كلّ يوم ومع كلّ موقف لا يعجبك، لكني أنصحك أن تبدأ الآن ولا تسوّف وأن تقرأ وأنت عازم على ذلك فعلى بركة الله "ابدأ رحلة التغيير".

وقبل أن نتناول مفهوم التغيير، دعني أسألك...

هل ترغب فعلاً أن تعيش حياة مثمرة ومتميزة؟

أعتقد أنّ معظم الناس سيجيبون عن هذا السؤال بالإيجاب، ويتمنون في داخلهم ذلك، ولست أنت فقط من يتمنى ذلك.

إذاً فليكن شعارك:

سأجعل من حياتي شيئاً مميّزاً ومختلفاً بالتغيير

ولكن لابدّ أن تتعلَّم أن كلّ تغيير في الحياة، وكلّ جزء من رحلة الإنسان، يبدأ بخاطر من القلب والعقل، فالتغيير الحقيقي يبدأ من داخلنا نحن، وفي الموعد الذي يناسب كلاً منّا على حدة.

 

فكرة ملهمة..

يجب أن نطوّر ونغيِّر ونجدِّد دائماً من أنفسنا وإلا تحجرنا (جوته)

 

فالتغيير هو: الانتقال من حال إلى حال، بخطوات ومبادئ تصل بك إلى النجاح الفعلي، والهدف المنشود الذي تتمناه.

إذاً، فإن حال الإنسان لن يتغير إلا إذا غيَّر ما في نفسه من سلبيات، وتخلى عنها، وتحلى بعد ذلك بالإيجابيات، وتمسك بها. واعلم جيداً، أنّ الله لا يغيِّر ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم.

وقد تقول لنفسك إنّ القيام بهذا الأمر ليس شيئاً هيّناً أو سهلاً على كلّ شخص، فالحياة كما يصفها "سكوت بيك" بدقة في كتبه: صعبة ومعقدة، وتمثل تحدياً هائلاً، غير أنّ فرص النجاح في التغيير تتعاظم عندما تتخذ قراراً واحداً، وتركز عليه جيداً، ثمّ تمنحه الوقت الكافي.

فتغيَّر واستمتع، فلا يوجد حياة محايدة بلا تغيير.

تغيَّر واستمتع، فلا يوجد حياة محايدة غير قابلة للتغيير.

 

فكرة ملهمة..

سرّ النجاح هو الاستمتاع بعملك (مارك كوين)

 

كلمة غيَّرت مسار حياتي:

هل من المعقول أنّ كلمة واحدة قد تغيِّر مسار حياة إنسان؟! وهو ما حدث معي بالضبط، وقد كانت الكلمة (Enjoy it)، ففي المرحلة النهائية للحصول على شهادة الدكتوراه، عرضت أمامي بعض العوائق الخارجة عن إرادتي، والتي كانت من الممكن أن تعرقل إكمال رسالتي والحصول على شهادة الدكتوراه.

وحدث ذلك بعد أن قدمت كلّ المتطلبات المتعلقة برسالة الدكتوراه للمشرف المختص.

وعندها اتصلت بأحد الأصدقاء هناك في بريطانيا وقلت له: قد عرض لي أمر من الممكن أن يمنعني من إكمال رسالتي،

فقال: هل هل أنت متأكّد من حرصك على إكمال رسالتك؟

فأجبته: وما الذي جاء بي إذن إن لم أكن أريد ذلك!

فرد عليَّ: إذن الحل عندك.

قلت له: كيف؟

فقال: ما دمت تريد ذلك ومصراً عليه فاستمتع بالحصول عليه! (يعني يا صلاح بالإنجليزي Enjoy it).

وبالفعل نبهني إلى أمر كان غائباً عني، فقد كنت أسكن في أجمل البلاد الأوربية "اسكتلندا"، فقررت على الفور الانطلاق في رحلة إلى أرجاء هذا البلد الجميل، وعدت بعدها بروح جديدة وهمة عالية، فلم يمض إلا شهران بعد تلك الجولة الممتعة – بحمد الله – إلا وقد حصلت على الدكتوراه لأني كنت في مراحلها النهائية.. فالأهداف لا تتحقق بالانكفاء النفسي والاكتئاب..! إنما تتحقق بالتحدي الممتع والإصرار، والمحاولة تلو المحاولة.

وهنا أريد أن أؤكد لك أمراً هامّاً: التغيير ليس منهجاً متبعاً، ولا مرحلة دراسية تتم مناهجها فتحصد النتيجة، بقدر ما هو قرار داخلي، ومحاولات جادة، وتصميم وإرادة، بأن تكون حياتك أفضل مما هي عليه بإذن الله.►

 

إليك فكرة من أجلك..

اقض الساعة التالية في الحاضر فقط واستمتع به، ثمّ اسأل نفسك (ما الذي يمكنني أن أفعله للاستمتاع بحياتي والنهوض بها إلى التغيير المنشود؟)، واستمر في التفكير الدائم بالتغيير وضرورته، حتى تبدأ بالخطوات الفعلية باتجاهه.

 

المصدر: كتاب حرِّك مياهك الراكدة

ارسال التعليق

Top