• ١٩ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٧ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

التربية الإسلامية للحواس

د. عبدالرحمن طالب

التربية الإسلامية للحواس

◄يولد الإنسان على فطرته، خلواً من كلّ معرفة، والجهل يحيط به من كلّ جانب، فأعطاه الله الحواس والفؤاد، منحه السمع ليسمع مواعظ الله، والبصر ليبصر دلائل الله، والفؤاد ليعقل عظمة الله.

قال الله تعالى: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل/ 78).

قال العلامة الأبرشي: "إنّ الأطفال يولدون وهم لا يعلمون شيئاً عن الحياة وتجاربها وعلومها وآدابها وفنونها، ولكن الله جلّ شأنه قد منحهم مواهب فطرية وغرائز طبيعية للانتفاع بها في حياتهم، وتنمية معلوماتهم وأفكارهم بعد تربيتها وتهذيبها، فقد وهبهم الله عقولاً يفكرون بها، وحواس يحسون بها، ليستفيدوا منها في دراسة العالم الذي يحيط بهم".

العوامل الباطنة: وثمة في الإنسان أشياء أخرى لا تقل أهمية عن الحواس الظاهرة، والباطنة، وهي تساعد الإنسان في تكوين شخصيته، وبدونها لا يكون كامل الإنسانية، تام الشخصية، وهي كثيرة نذكر منها:

1-    الشعور: وهو حدس الفكر لأحواله وأفعاله، وبعبارة أخرى هو الوعي الذي يصاحب فاعليات الذات فتتميز به عنها، فإن لم يكن ثمة وعي ولا مصاحبة لفاعلية الذات فهو اللاشعور.

وهذا الشعور تهتم به التربية القرآنية ويذكره القرآن سبعاً وعشرين مرة ويهجو أحياناً الكفار والمجرمين حيث إنّهم فقدوا شعورهم، وقست قلوبهم، وغلظت إحساساتهم، فأصبحوا لا يشعرون إلا بالماديات والمرئيات، وكفروا بكل المعنويات والغيبيات، فيقول الله في الطغاة: (وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (النمل/ 50).

ويقول في المفسدين في الأرض: (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ) (البقرة/ 12). ويقول للصحابة الكرام (رضوان الله عليهم): (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) (الحجرات/ 2).

قال سيد قطب: "فهكذا ارتعشت قلوبهم، وارتجفت تحت وقع ذلك النداء الحبيب، وهكذا تأدبوا في حضرة رسول الله (ع) خشية أن تحبط أعمالهم وهم لا يشعرون".

2-    الانتباه والاهتمام: الانتباه هو تركيز الشعور نحو شيء ما، بحيث ينفرد هذا الشيء بملء مجال الشعور. والاهتمام جوهر الانتباه، وهو في نفس الوقت جوهر الذاكرة.

والقرآن يربي هذا الاهتمام بالاستبصار والمراقبة، ويضرب لذلك مثلاً بحادثة اهتمام زوج العزيز بفتاها، لمّ هم الرسول سيدنا يوسف (ع) بدفع هذه الزوجة عن نفسه بأية طريقة كانت، ولو بالفرار من وجهها حتى يخلص من أذاها، وينجو من مكرها وشرها، فيقول القرآن: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) (يوسف/ 24).

والقرآن ينزل باللائمة والتوبيخ على أولئك الذين لا يهتمون بأمر العامة، وتهمهم مصالحهم الخاصة فقط فيقول: (وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأمْرِ مِنْ شَيْءٍ) (آل عمران/ 154).

3-    الهيجان: هو انفعال عنيف مفاجئ مستديم كالخوف والغضب والقلق والخجل، إذا اشتد اضطربت معه التصورات الذهنية، واختل التوازن العضوي مما يجعل الشخص في صورة غير متكيفة مع وضعية ما.

وتلك الانفعالات المضطربة، وهذا الهيجان العنيف الذي يصدر عنه الغضب الممقوت فيصبح المنفعلون والهائجون غضاباً، مما اهتم به القرآن؛ فربى عباده بطريقة الترغيب والترهيب، ووعدهم الجنة الفيحاء إذا هم كظموا غيظهم وقال لهم: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ) (آل عمران/ 133-134).

4-    العاطفة: هي حالة انفعالية معقدة ثابتة مستديمة وغير عنيفة على خلاف الهيجان. وهي أنواع متعددة: عواطف متبادلة بين الأفراد مثل الشفقة والمحبة والغيرة. وعواطف اجتماعية مثل العواطف العائلية، والعواطف الوطنية. وعواطف شخصية مثل الكرامة والعزة والأنانية والخجل.

والعاطفة يعبر عنها القرآن بلفظ "المودة" وهي هبة الله ورحمته، جعلها بين عباده، فمن استعملها في مواضعها أثابه الله وجزاه خيراً، ومن جعلها في غير محلها أخزاه وجزاه شراً وبيلاً.

ومن مواضع المودة الحسنة أن تكون بين الزوجين. قال الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) (الرّوم/ 21).

ومن مواضعها أنها تكون بين المسلمين، وبين أسرة الرسول (ص) وسلالته. قال الله تعالى: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) (الشورى/ 23).

أما مواضع المودة الممقوتة فهي تلك المودة التي يمنحها المسلمون أعداءهم، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) (الممتحنة/ 1).

5-    الهوى: فإذا كانت العاطفة تقوم بوظيفة المحافظة على التوازن في الحياة الانفعالية من أجل التكيف، فإن الهوى يتجلى في صورة انقطاع لهذا التوازن عن طريق الإلحاح والمضايقة، فكأنّ الهوى يستقطب مركز الحياة النفسية حول موضع واحد، ويهمل بقية المواضع الأخرى.

والقرآن يذكر الهوى في بضع وثلاثين آية، وينزل بالتوبيخ واللعنة على أولئك الذين يستكبرون عن عبادة الله، ويكذبون رسلهم طوراً، ويقتلونهم طوراً آخر، لا لسبب، وإنما لكونهم جاءوا برسالات من عند ربهم تخالف أهواءهم. فيقول الله تعالى: (أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ * وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلا مَا يُؤْمِنُونَ) (البقرة/ 87-88).

ومن اتبع هواه في كلّ أوامر ونواهيه فكأنما جعل من هواه معبوداً يقف عند حدوده لا يتعداها، وهو ضرب من الإشراك والكفر. قال الله تعالى: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) (النازعات/ 40-41).

6-    الميل: هو نزوع عفوي أو واع يتجه به الكائن الحي للقيام بفعل من الأفعال، وهو أعم المفاهيم النفسية وأبسطها، فإن كان هذا النزوع متجهاً لإرضاء الجسم سمى الميل (حاجة). وإذا وقع بصورة عفوية سمى الميل "غريزة". أما إذا كان النزوع واعياً سمى "رغبة".

وهذا الميل نفسه يذكره القرآن ويؤدب صاحبه، ويحذره أن يميل مع الشهوانيين فيخسر الدارين، ولذا يقول جلّ شأنه: (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلا عَظِيمًا) (النساء/ 27).

كما يربيه الله أيضاً حتى لا يحيف في حق الزوجات، ويميل لإحداهنّ ميلاً عظيماً، ويظهر حبه لها علانية أمام الزوجات الأخريات. قال الله تعالى: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ) (النساء/ 129)، والعدل مطلوب بين الأولاد كذلك. وفي الحديث قال النبيّ (ص): "اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم".

7-    الإرادة: وهي القصد إلى الفعل أو الترك مع وعي الأسباب الدافعة إليهما، فيخرج من هذا التعريف الأفعال التي ليس فيها قصد، مثل العادات وسائر الأفعال اللاشعورية.

والإرادة يذكرها القرآن بصيغتي الاسم والفعل 161 مرة. وتوجد آيات فيها إرادة الله، وآيات أخرى فيها إرادة الإنسان.

ومن الأولى قوله سبحانه: (قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأرْضِ جَمِيعًا) (المائدة/ 17).

ومن الإرادة الثانية: إرادة الإنسان قوله سبحانه: (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا) (الإسراء/ 19).

وقد وقعت التربية هنا بالمدح، مدح صاحب الإرادة الحسنة.

ومن إرادة الإنسان أيضاً قوله سبحانه: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (هود/ 15-16).

8-    الطبع: هو مجموعة الاستعدادات الفطرية التي تكّون الهيكل الذهني لدى إنسان ما، واعتماداً على هذا التعريف الذي قام به لوسين، فإنّ الطبع لا يمثل كيان الفرد بأكمله، بل هو محصلة الوراثات التي تلاقت فيه والتي تولد معه، وليس من الطبع ما اكتسبه الإنسان عن طريق تأثير الغير فيه.

والقرآن يعلن بأن لكل فرد فطرته التي يولد عليها، والفطرة الطبيعة الأصلية للطفل، أي القابليات والميول الفطرية لكل فرد، وهذا ما يقوم به علم النفس الحديث، والطبيعة الأصلية هي التي يشير إليها القرآن بقوله: (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) (الرّوم/ 30). ولكن هذا الطفل يولد بإمكانات ومؤهلات تتأثر بما يحيط بها من مؤثرات البيئة. ومن هنا كان تأكيد القرآن الكريم على التربية والتعليم، ومن ذلك قوله تعالى: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل/ 78).

وقوله جلّ شأنه: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) (الإنسان/ 3). أي بينا للإنسان وعرفناه طريق الهدى والضلال، والخير والشر ببعثة الرسل، وإنزال الكتب، وهذا بعد ما أعطاه الله الحواس الظاهرة والباطنة ومنحه العقل.

9-    المسؤولية: وهي لحاق الاقتضاء بصاحبه من حيث فاعله، وبذلك يكون الفاعل مسؤولاً، أي مطلوباً من التبعة التي تلزم عن فعله، فإن كان موضوع الاقتضاء موافقاً للقانون جلب للفاعل الاستحسان والمكافأة، وإن كان مخالفاً له جر عليه اللوم والعقاب، وقد يكون هذا القانون دينياً خلقياً، أو اجتماعياً عرفياً".

وقد تكون المسؤولية شخصية أو عائلية، أو مسؤولية شعب بأكمله، أو أُمّة بأجمعها. والإنسان مسؤول عن مسؤوليته الشخصية أوّلاً، ثمّ على المسؤوليات الأخرى إن كانت. والقرآن يهتم بكل هذه المسؤوليات ويحدد معالمها، ويذكر كلا على حدة، وهو إذ يعرض ذلك فهو مرب لأصحاب المسؤوليات بالأساليب التربوية الشهيرة.

ومسؤولية الفرد عن نفسه توضحها آية: (مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) (الإسراء/ 15).

وتوضحها آية: (قُلْ لا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (سبأ/ 25).

ومسؤولية العائلة تشير إليها آية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) (التحريم/ 6).

10-                      الشخصية: وهو مظهر يتجلى في الميول والشعور به أو اللاشعور به، وفي الأفكار والعواطف، وفي الأعمال التي يتميز بها الأنا الشخصي عن الآخرين والباحثون أطلقوا كلمة "شخصية" على الطبع والخلق والميول والاهتمام والعاطفة.

وشخصية الإنسان معترف بها كفرد. قال الله تعالى: (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا) (الإسراء/ 13-14).

وشخصية الإنسان معترف بها كجماعة قال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) (الحجرات/ 10).

وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات/ 13).

وقال: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا) (آل عمران/ 103).

وقال: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة/ 2).

11-                      الضمير الخلقى: وهو عبارة عن حوار يجريه الإنسان مع نفسه لتوجيه العمل الذي يريد القيام به بعد إسناده إلى قيمة ما تفرض نفسها عليه، يتبعها شعور بالرضا أو بالندم. والقيم أنواع: قيم خلقية، قيم جمالية، قيم منطقية.

والضمير الخلقي ليس هو الشعور الإنساني لأنّ الأوّل يحكم بينما الثاني يشاهد، والضمير يوجد في كلّ إنسان ينمو بنموه ككل القدرات والقوى، بقوى بتربيته.

والقرآن يهتم بالضمير الخلقي ويربيه بالأمر فيقول له: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) (الأنعام/ 152).

ويربيه بالاستعاذة والتذكر والمراقبة فيقول له: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) (الأعراف/ 200-201). ويقول سبحانه: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (ق/ 16).

12-                      الفضيلة: وهي تحقيق المثل الأخلاقية، غير أنّ المثل الأخلاقية ليست محل اتفاق بين الفلاسفة، فسقراط يرى أنّ الفضيلة ثمرة العلم. وأرسطو يراها الوسط العدل في الأمور، ويجب أن يكون عادة مستمرة، وعلى درب أرسطو ذهب ابن مسكويه والغزالي.

والقرآن الكريم يذكر الفضيلة بمصدرها الذي هو الفضل، ويكرر ذكرها ستا وثمانين مرة، ويجعل الفضل أصالة بيد الله وحده فيقول: (قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاء) (آل عمران/ 73).

وإذا ما منح الله فضله من يشاء من عباده فعليهم أن يستعملوه في مواضعه ولا يبخلوا به، ولذا قال: (وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) (النّور/ 22). وهو في مثل هذه الآية إنما يربى عباده بالنهي عن ترك الفضيلة، ثمّ يحذرهم في آية أخرى، ويذكر لهم العاقبة السيئة لمن يبخل بالفضل فيقول: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (آل عمران/ 180).

والخلاصة أنّ الفضيلة ضد النقيصة، والإفضال الإحسان، ورجل مفضال وامرأة مفضالة على قومها إذا كانت ذات فضل سمحة. فالبخيل والجائر غير فاضل ولا سمح، وبالتالي فهو مكروه ومنبوذ. ►

 

المصدر: كتاب التربية الجنسية في الإسلام

ارسال التعليق

Top