• ١٩ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٧ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

البرمجة الذاتية الشخصية

السيد حسين نجيب محمّد

البرمجة الذاتية الشخصية

◄في عصرنا الحاضر برز علم يُعنى بتغيير الإنسان من الداخل وهو علم "البرمجة اللغوية العصبية" ويُرمز إليه بـ: (NLB) وغايته برمجة الإنسان للتواصل السليم مع نفسه ومع الآخرين.

ويشبّه اختصاصيو هذا العلم برنامجه ببرمجة الكومبيوتر. فكما أنّ من الضروري برمجة الكومبيوتر لاستعماله والاستفادة منه، كذلك الحال في الإنسان، فلابدّ أن يبرمج أفكاره لإعادة صياغته من جديد.

ولكي نقوم بالبرمجة الداخلية بشكل صحيح لابدّ أن نتعرف – أوّلاً – على عوامل برمجة شخصيتنا، ثمّ نعمل على تصحيحها، والعامل هي:

 

1-  الوالدان:

فالطفل يولد صفحة بيضاء خالية من كلّ شيء وقابلة لكلّ شيء فما يزرعه الوالدان في عقل الطفل يُبرمج عليه ويؤثر فيه، حتى إذا كبر انعكس ذلك على حياته.

د. "تشاد هليمستتر" في كتابه: "ماذا تقول عندما تحدث نفسك؟": "إنّه في خلال الـ18 سنة الأولى من عمرنا وعلى افتراض نشأتنا وسط عائلة إيجابية إلى حد معقول إنّك قد قيل لك أكثر من 148000 مرة (لا)، أو (لا تعمل ذلك).. وفي نفس الفترة كان عدد الرسائل الإيجابية التي لا تتجاوز 400 مرّة". وهذا بالطبع يعني أنّ آباءنا وأمهاتنا لم يكونوا سيئيين ولكن للأسف لم يكونوا على دراية بأي طريقة أخرى أفضل لأنّهم كانوا قد نشأوا وتبرمجوا على نفس المنوال بواسطة آبائهم، وبالتالي قاموا بتربيتها بنفس الطريقة، وقاموا ببرمجتنا سلبياً بدون قصد، ولكن مع الحب.

وفي كتابهما: "خط الحياة" قال د. "تاد جيمس وويات ودسمول": "عندما نبلغ السابعة من عمرنا يكون أكثر من 90% من قيمنا قد تخزنت في عقولنا، وعندما نبلغ سن الواحدة والعشرين تكون جميع قيمنا قد اكتملت واستقرت في عقولنا"... وبهذه الطريقة نكون قد نشأنا مبرمجين إما سلبياً أو إيجابياً.

قال العالم الألماني "أوسفالد كوله": كانت شابة جميلة ومرغوبة، وكانت تريد أن تتزوج وأن تنجب أولاداً وأن تعيش عيشة عائلية سعيدة، إنّها فتاة شديدة الذكاء في السادسة والعشرين من عمرها، ولكن خطبتها الأولى لشاب محبوب تحطمت قبل موعد الزواج بقليل، كما فشلت خطبتها الثانية لشاب آخر، وكانت الفتاة تُصاب بعد كلّ خطبة بحالات من المخاوف الشديدة، حتى أُدخلت المستشفى لخطر إقدامها على الانتحار، وكانت هذه الحالات تزول عنها كأنها نفخت وبددت في الهواء في كلّ مرة بعد فسخ الخطبة، وتعود بعدها الفتاة إلى الحالة الطبيعية، وكانت تسأل نفسها عما إذا كانت ستمضي حياتها بدون حب من دون أن تجد تفسيراً لما يعتريها عن الخطبة من حالات، كانت حياتها أيام الطفولة مليئة بالهناء والرغد، وكانت شمس السعادة مشرقة على منزلها الأهلي، وكان لها أحاديث مكشوفة وحرة عن الحبّ مع والديها، فالتجأت أخيراً إلى طبيب الأعصاب في برلين الدكتور (ي. هـ. شولتس) واكتشف الطبيب بواسطة تفسير الأحلام وبواسطة التحدث معها الأسباب العميقة لحالتها، وإليك التفسير:

رافقت والديها في سفرة بحرية عندما كانت في الثانية من عمرها، وشهدت معهما حادثة مخيفة، إذ أجهضت أمها في غرفة المركب الضيقة (كامرا) وقد أجرى لها طبيب المركب عملية جراحية مستعجلة، ولم يلتفت أحد إلى الفتاة الصغيرة التي كانت تقف في الزاوية وتشاهد ما يحدث "إذ كانت على زعمهم صغيرة لا تفهم شيئاً" وقد ربط الطبيب بين معرفة الطفلة الغريزية للعلاقة بين والديها وموضوع التناسل. وبين الانطباعات التي حدثت عندها من مشاهدتها للدماء والآلات الجراحية، وسماعها لتأوهات الأُم وأنينها وارتباك الزوج.

فالخطبة كانت تعني عندها أنّها ستصبح امرأة، وسيكون لها زوج، وستنجب أطفالاً، فيستولي عليها الخوف الكامن منذ مشاهدتها للحادث في عقلها الباطن، وقد استطاع الطبيب بعد هذه الاستنتاجات أن يشفيها ويجعلها تسعد بالحب.

ويضيف الدكتور: "وأنا لا أروي هذه الحادثة باعتبارها نموذجية، إذ في الواقع ليس من النموذجية أن تشاهد طفلة حادثة إجهاض، ولكن الحادثة توضح لنا كيف أنّ الأساس للموقف الشخصي من الحب والزواج يرسم طابعه في أيّام الطفولة الأولى. سواء أكان هذا الموقف إيجابياً أم سلبياً. وقد وجه إليّ عدد لا يحصى من النساء السؤال التالي:

لماذا أنا على ما أنا عليه الآن؟ ولماذا لا أستطيع أن أحب زوجي بالقدر الذي كنت أريده وبحرارة من كلّ قلبي؟ فما الذي يعوقني ويكبح عاطفتي؟ فهل أنا فعلاً "باردة" كما يتهمني زوجي في بعض الأحيان؟

فجواباً على ذلك أقول لجميع النساء والرجال معاً: إنّ الجذور لكلّ نشوء عند الإنسان – بما في ذلك الجنس – تُغرس في أيّام الطفولة وأيّام المراهقة. وعلينا أن نحفر فيها حفرنا إذا أردنا أن نتفهم واقع مشاعر النساء".

 

2-  المدرسة والأصدقاء:

هي المكان الذي ينمو فيه عقل الإنسان وتتفتح مشاعره وعواطفه وعلاقته. من خلال علاقاته بالأساتذة – الذين هم بمثابة القدوة – والتلاميذ الذين هم الأصدقاء، ومن المعلوم أنّ للصديق تأثيراً لا يقل أهمية عن تأثير الوالدين، إن لم يكن أكثر في بعض الأحيان.

 

3-  الإعلام:

أُجريت دراسة عن الشباب في أمريكا وكيف يقضون أوقاتهم، تبيّن من نتيجتها أنّ الشباب في سن النمو يقضون حوالي 39 ساعة أسبوعياً في مشاهدة التلفزيون، وإذا رأى الطفل أنّ المطرب أو الممثل المفضل لديه يتصرف بطريقة معينة فإنّه سيقوم بتقليده حتى ولو كان هذه السلوك سلوكاً سلبياً والمثال على ذلك أن إحدى المغنيات الشهيرات عالمياً ظهرت في إحدى حفلاتها ترتدي رداءاً معيناً ففي نفس الأسبوع كانت أكثر من 50 ألف فتاة ترتدي مثل هذا الرداء.

 

4-  البرمجة الذاتية:

وهي ما يزرعه الإنسان في نفسه من خلال التجارب والمطالعة والمعرفة، فقد يوحى لنفسه أنّه ناجح وقوي، وقد يوحي لها أنّه فاشل ضعيف، وهو من أخطر العوامل ولذا ورد عن النبيّ (ص) أنّه قال: "لا يحقرن أحدكم نفسه".

"ذكر العالم النفسي (جورج أ. ملر) من جامعة "هارفارد" – في الدراسة التي أجراها عام 1956 – أنّ سعة العقل الواعي محدودة، أما العقل اللاواعي ففي إمكانه استيعاب ما يزيد عن 2 بليون معلومة في الثانية، وفي الواقع، يحتوي العقل اللاواعي على جميع ذكرياتك وبرامجك منذ كنت جنيناً في الرحم، أي أنّ للعقل اللاواعي قدرة استيعاب لا محدودة على الإطلاق، فكيفية برمجتك للاتصال خلال فترة الصبا والشباب لا زال موجوداً في عقلك اللاواعي خلال المراحل المتقدمة من العمر، وأيضاً ردود فعلك الاعتيادية تجاه أشياء معينة وتصرفات محددة. باختصار، فإنّ هذه البرامج الموجودة منذ أمد طويل هي التي تحدد طبيعة سلوكك.

ومن هنا نستطيع ترقية الاتصال بأنفسنا وبالآخرين. ويكمن التحدي في تحديات عقلك الواعي، حيث أنّه هو الذي يتولى برمجة عقلك اللاواعي.

فالبدء يكون بالتأثير على العقل الواعي وكذلك على تقديرنا وتقييمنا للأشياء التي نقولها لأنفسنا ولغيرنا، وهو شيء لا مفر منه، ولذا قم بإلغاء ومحو الأحاديث والأفكار السلبية واستبدلها بأخرى إيجابية جديدة".►

 

المصدر: كتاب كيف تغير حياتك

ارسال التعليق

Top